“الاحتفاء بالدور الشفشاونية العتيقة” على صفحات جريدة القدس العربي
ويستمر مسلسل التعريف بمدينة شفشاون، ويستمر أبنائها البررة في تسجيل اسمها بين أعرق المدن، وجعله مادة إعلامية على صفحات أعرق الجرائد العربية.
الفنان عادل أزماط يؤرخ اسم شفشاون على جريدة القدس العربي بمقال عذب وصورة رائعة.
إليكم المقال كما ورد عبر الجريدة اللندنية:
الاحتفاء بالدور الشفشاونية العتيقة: الظل ضوء متثائب!
نص وصور: عادل أزماط
مقامات صوفية تأخذ شكل مونولوغ بصيغة المفرد المزدوج في ذاته..، مقامات تنفجر فجأة لتكسر خلوتك التعبدية فتحيل هذا البيت مسرحا طافحا بفلسفة الفوضى الملونة تأسرك لتوحي لك أيها الزائر/الرسول بأنّ :
‘ الجمــال نافذة -على- الله’
مقام الظل والضوء
قال تعالى ((أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا () ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا)) الفرقان 46.45
الضوء والظل في صراع أنيق حول امتلاك المساحة.. حول من يسمي الشمس أماً له..
حول الزمن الكامن في عروقهما..يغزو الظل آيات العشق المنبثقة من الضوء فيما يرد هذا الأخير بانتهاك عذرية المكان كل ذات شروق موغلا في استباحة مناطق الظل في فطرتها الأولى…
أيها الضوء النبي.. يا مولاي الظل.. نحتار فيمن منكما يروض أجنحة الآخر لكي لا
تسافر إلا إليه.. نحتار فيمن منكما المراد ومن منكما المريد، فـ ‘المريد يسير والمراد يطير، فمتى يلحق السائر بالطائر..؟’ (1)
ذات بوح خفي همست غادة الحسين:
الظل ما نحياه
وظل الظل ما نراه
والضوء ما هو إلا ظل متثائب
مقام اللون والشكل:
تحيي الأسئلة ليلة صوفية في حضرة الشكل واللون لتتوج أحدهما سلطانا للعاشقين،..
هل عجن الشكل/اللغة بكل انحرافاته وانكساراته، بلونه/الصوت ثم استحال عشقا
سرمديا في طبيعته الأولى؟ :
أموت وما ماتت إليك صبابتي ولا رويت من صدف حبك أوطاري
مناي المنى كل المنى انت لي منى وأنت الغني كل الغنى عند اقصاري (2(
يهمس الشكل مقرا: الزرقةٌ.. ِوردي الذي أكتبه وعطري مما أتوسله.. أم هل صب اللونالروح في قالبه الأول الشكلالجسد ليستحيل كائنا مسبحا بعظمة الخالق.. متلذذا بمنابع الإحتراق والإشتياق..؟
يا معطشي بوصال أنت واهبه ….. هل فيك لي راحة إن صحت وا عطشي (3(
يجيب اللون : أشكالي صلواتي التي أضيق فيها لأتسع أكثر بها فأنقص من وجودي
فيها لأكتمل بها…
هكذا تتوالى الأسئلة فيما سلطة الزرقة بتدرجاتها تعلن نفسها عنوانا واحدا وكأنها عباءة (دربالة) صوفية يلبسها المكان..، سلطة تمتلك العين حتى ما عادت تميز ما بين اللون والشكل فيأخذنا المشهد آنذاك إلى عرس الجنة حيث صفاء الأرواح، حيث ترتفع الحجب، حيث تبدو جلالة الخالق واحدا أحدا صمدا..
و لما صفا قلبي وطابت سريرتي ونادمني صحوي بفتح البصــيرةِ
شـــــهدت بأن الله مولى الولاية وقد من بالتصريف في كل حالةِ
(4)
في المقامين معا… :
تستكين لعطر المقامين وهيبة صمت المكان ليغازلك ذكر أهل الله الموحدينَ في
جذبة ربانية.. هٌوَ هُو… هٌوَ هٌو..:
هذا عبارة أهل الإنفراد به ذوي المـعارف في ســر وإعـلان
هذا وجود وجود الواجدين له بني التجانس أصحابي وخلاني (5)
هكذا يتوزع الذاكرون في أجسادهم ليمارسوا سياحة الكون في قصيدة هي غواية زرقاء تحتجب متمنعة لتراها تتعرى لك حين تترفع إلى مقام المريد..
الشكل يخترق لونه إلى المالانهاية، والظل يسقط الغريزة على ضوئه الأصل..
وعلى سبيل الختم.. سلام على شفشاون في ألقها الدائم وطوبى لمن يتنفس عبقها…
1 الجنيد
2 ذو النون المصري
3 سمنون المحب
4 الإمام الجيلاني
5 الحلاج.