ضوءٌ من الذَّاتِ ، على صُوَر ٍ مِمَّا فاتَ
نحن الذين وُلدنا أواخرَ زمن الحماية الاستعمارية نتذكر أن أهالينا كانوا يسمون مستعمري بلدِنا بـ (النصارى) ولم يكن عموم الناس يعرفون مصطلح (الاستعمار) ونشأنا على كراهيتهم ، إذ كنا ونحن اطفال نقوم بإخفاء ايدينا كلما مر امامنا أحد رهبانهم، ثم إذا مضى الراهبُ ، رسمنا الصليب بوضع سبابتينا في شكل متقاطع و نبصق. وكان ذلك شكلاً من اشكال المقاومة الدينية الصامتة. ودون أن يقول أحد إن الإسلام هو الحل ، فقد كنا مسلمين أبرياء غيرَ مسيسينً و قد نجحت مقاومتنا الهادئة ، واستمر الإسلام في دمائنا. رغم أن أجراس الكنائس كانت تدق في فضاء مدينتنا الصغيرة فلا نتضايق من دقاتها، إذ كان ردنا عليهم: (لكم دينكم ولي ديني )
وقد عبَّر النصارى ـ والحق يقال ـ عن احترامهم لتقاليدنا الدينية، في رمضان ، وتقديرهم لمساجدنا، فلم يكن منهم من يجرؤ على الاقتراب منها، ولو كان من رجال البوليس أو الجيش. لأنهم كانوا يعرفون حدود وجودهم في ديارنا، ولم يقوَ أحد على رفع شعار (المسيحية هي الحل) أو (الإسلام هو الحل) إذ برفع هذين الشعارين كان نوع الصراع سيتغير، فتسميتنا نحن للاستعمار الذي كان محضَ إداريٍّ بالنصارى ، كانت تسمية خاطئة، وإن كان الإسبان أيضاً يسمون المسلمين بـ(المورو ) انتقاما لحساب تاريخي لا نشك أنهم كلما كانوا يطلقون كلمة (مورو) على أي مغرربي منا يتذكرون وجودنا القديم بالأندلس ، خاصة وأن مدينة مثل شفشاون كانت لها ملامح أندلسية قوية بارزة ، في المعمار والتقاليد الاجتماعية والثقافية..
اليومَ لا أقوى شخصياً على تذكر شيء من ذلك ، دون أن أصحح خطأ أهالينا آنذاك، فلم يكن الوجود الاسباني في بلدنا وجودا مسيحياً بل كان إقامة بحكم اتفاقيات استعمارية، رهنت جهات رسمية في المغرب آنذاك. وقد كانت لحسن حظنا إقامة غير مريحة لهم ، ولولا حسابات تاريخية لما أقدموا عليها ، فقد رأوا منا ما لا ينسى من أشكال المقاومة المسلحة الضارية : إن في بلاد (اجبالة) التي كان معظمها “بلادَ سيبة” مستقلة عن الإدارة المركزية، أو (بلاد الريف) حيث كان أسودها لهم بالمرصاد.
فتحية للشهداء الأبطال الأخيار، والخزي العار لإرادة الاستعمار.
أحمد بنميمون ـ
شفشاون في 30/06/2013