التعريف بشخصية سيدي عبد الله الهبطي وبدعوته الإصلاحية
هو أبو محمد عبد الله بن محمد الهبطي، أصله من صنهاجة من قبيلة يمتنة (سمائة)، ولد بها سنة 890ھ/1485م وهاجر مع أسرته من مسقط رأسه – في اتجاه عمارة – بسبب التوسعات البرتغالية في منطقة طنجة، وكانت هذه الهجرة بعد إطلاق سراح أخيه مسعود الذي أمضى 20 سنة من الاعتقال في سجون البرتغاليين.
أول منطقة نزلت بها الأسرة المهاجرة هي قرية تيجساس المنتمية إلى قبيلة بني زيات الغمارية، وبهذه المنطقة أتم حفظه للقرآن الكريم. ولم تستقر أسرة الهبطي في تيجساس، بل انتقلت إلى تلمبوط وهي إحدى قرى قبيلة بني زجل الغمارية، أنشأ فيها معهدا لتعليم مختلف العلوم، واستقر بمكان قريب من تلمبوط يدعى (وسلاف) وهناك تزوج وأنجب عددا من الأولاد، ومنه كان ينطلق للدعوة والإصلاح، والمكان الذي استقر فيه يدي الآن (زاوية سيدي عبد الله الهبطي) ولا يزال أهلا باحفاده… –
يعتبر الشيخ أبو محمد عبد الله الهبطي من أشهر أعلام القرن العاشر الهجري وذلك بفضل الدور الإصلاحي الذي قام به في مجتمعه – وخارجه – وتمكنه من التأثير فيه بطريقة إيجابية عبر تصحيح مجموعة من العادات ونبذ البدع والخرافات التي كانت سائدة به آنذاك، ومحاربة الجهل ونشر التعليم.
لم يتسن للشيخ الهبطي فرض شخصيته الإصلاحية إلا بفضل ثقافته الواسعة واطلاعه الكبير على مختلف العلوم، وتتلمذه على أهم علماء المرحلة بغمارة وفاس وتازة وغيرها.
يقول ابن عسكر في الدوحة: “أخذ رضي الله عنه عن شيوخ كثيرين منهم الشيخ الفاضل أبو محمد عبد الله القسطلي الأندلسي ، قرأ عليه القرآن وعلوم التفسير وعلوم الآخرة، والشيخ الإمام المفتي الزاهد أبو العباس أحمد الزقاق”، قرأ عليه الفقهيات وعلوم الدين، وأخذها أيضا عن الشيخ الفقيه العالم أبي العباس أحمد بن محمد العبادي التلمساني الأكبر واستقرأ عليه الطرق والعقليات، وأخذ أيضا الفقه عن الفقيه الحاج زروق الزياتي وقرأ عليه “الرسالة”، و”لقي الشيخ العارف المتفنن العاشق أبا عبد الله محمد بن يجبش التازي وأخذ عليه، واعتمده في التصوف وطريق الوصول إلى الله تعالى. والتربية النبوية على شيخه الرباني سيدي أبي محمد عبد الله الغزواني، وهو شيخه في طريق الفتح”.
بعد رحلته إلى تازة وفاس وعودته مشبعا بالأفكار الصوفية الشاذلية اتصل الهبطي بصديقه العلامة الشيخ أبي القاسم ابن خجو أحد أكبر علماء ومفتي غمارة، وأقنعه بجدوى الصوفية، ولم يكن ذلك سهلا خاصة إذا عرفنا الموقف السلبي الذي كان الشيخ بن خجو يتخذه من الصوفية والمتصوفين، بل أكثر من ذلك أصبح هذا الشيخ من أكبر المدافعين عن الصوفية حيث ألف كتابا في ذلك سماه “ضياء النهار المجلي لغمام الأبصار في نصر أهل السنة الفقراء الأخيار”.
لقد أهلت الثقافة الواسعة للشيخ الهبطي واطلاعه الكبير على مختلف العلوم الدينية والدنيوية لأن يصبح مصلحا دينيا واجتماعيا متميزا، ترك بصمات واضحة على مجتمع القرن العاشر الهجري، خاصة وأن دعوته الإصلاحية كانت منطلقة من أعماقه ومن إيمانه القوي بضرورة الإصلاح في هذه الفترة بالذات – فترة القرن 16 م – والتي كانت حساسة جدا من الناحية السياسية ومن الناحيتين الاجتماعية والتاريخية.
كان على الشيخ الهبطي في هذه المرحلة أن يحارب على جبهتين: ضد الجهل والأوضاع الاجتماعية الفاسدة، وضد الاستعمار الإيبيري، إذ في هذه الفترة شهد المغرب هجمة استعمارية شرسة من طرف الإيبيريين، كما عرف تفككا سياسيا داخليا بسبب ضعف الوطاسيين ونشأة القوة السعدية واقتسامهما البلاد، لہذا جند نفسه للتحريض على الجهاد والدعوة إلى توحيد الصفوف ونشر التعليم والتشبث بالمبادئ الصحيحة للدين الإسلامي.
لم ينطلق الشيخ عبد الله الهبطي في دعوته الإصلاحية من مجرد حماس أو غيرة بل كان منهجيا ومنظما في عمله إذ أول ما بدأ به هو وضع اليد على أصل الداء وسبب المفاسد المنتشرة في المجتمع، لقد كان أصل الفساد في رأيه هو عدم الإيمان الصحيح بالله تعالى وضعف العقيدة في النفوس، لهذا نجده في ألفيته موضوع هذا الكتاب يعنون
كل الأبواب المكونة لها كالتالي: “باب ما وقع في التغيير في … بسبب تغيير الإيمان”.
إضافة إلى ضعف الإيمان كان الهبطي يرى أن الغزو الإيبيري الصليبي ساهم في إفساد المجتمع، وتخصيصه بابا في الجهاد تحت عنوان “باب ما وقع من التغيير في الجهاد بسبب تغيير الإيمان”.
لم تكن “الألفية السنية” هي المنظومة الوحيدة التي انتقد فيها المجتمع وأعطى من خلالها حلولا إصلاحية لما يعانيه من انحرافات، بل كانت له منظومات أخرى كلها ذات طابع إصلاحي وتقويمي نتمنى أن تحظى بالدراسة مستقبلا.
عنوان الكتاب: مظاهر من الحياة الاجتماعية ببلاد غمارة من خلال “الألفية السنية لأبي محمد عبد الله الهبطي
المؤلف: محمد ياسين الهبطي
الشاون بريس
يتبع…