مظاهر من الحياة الاجتماعية ببلاد غمارة من خلال “الألفية السلية”

مظاهر من الحياة الاجتماعية ببلاد غمارة من خلال “الألفية السلية” لأبي محمد عبد الله الهبطي

تمديد بلاد غمارة:

تقع بلاد غمارة في أقصى شمال المغرب، حيث تطل على البحر الأبيض المتوسط وتتشكل حاليا من القبائل التالية: بني زجل – بني زيات – بني سلمان – بني منصور – بني بوزرة – بني سميح – بني رزين – بني خالد – بني جرير –
مثيوة.

ومن خلال أسماء القبائل يلاحظ أن التسمية هي تسمية عربية مما يجعلنا نطرح سؤالا حول أصل سكن غمارة، أي هل هم عرب أم أمازيغ؟ إضافة إلى سؤال آخر هو هل غمارة التي نعرفها حاليا بحدودها الجغرافية هي
نفسها منذ قرون عديدة؟ الملاحظ من خلال المصادر التي اعتمدنا عليها هو أن حدود غمارة تختلف من فترة إلى أخرى. فالبكري في المسالك والممالك حددها بين منطقة انکور شرقا وطنجة غربا، لكنه لم يتطرق إلى حدودها الجنوبية التي حددها الشريف الإدريسي في كتابه: نزهة المشتاق . أما ابن خلدون فيقول في تحديدها:

تمتد عن يمين سبائط المغرب من لدن غساسة، فنكور، فبادس، فتجساس، فتطاوين، فسيتة، فالقصر إلى طنجة، خمس مراحل أو أزيد أوطنوا منها جبالا شاهقة اتصل بعضها ببعض سياحا بعد سياج، خمس مراحل أخرى في العرض إلى أن يتخط إلى سبائط قصر كتامة ووادي ورغة من سبائط المغرب”.

ويجعل صاحب كتاب (الاستبصار) تقديرا لمسافتها، طولا بستة أيام. وعرضا بثلاثة” وهذا يعني أن طول منطقة غمارة أكبر من عرضها يضعفين.

ويقول القلقشندي “جبال غمارة هي قبيلة من البربر وهو جبل ببر العدوة، فيه من الأمم ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وهو ركن على البحر الرومي، فإن بحر الزقاق إذا جاوز سبتة إلى الشرق العطف إلى جبال غمارة المذكورة وهناك مدينة بادس أما الحسن الوزان وهو أحد أبناء غمارة حيث ينتمي إلى قبيلة بني زيات فقد حدد بلاد غمارة كالتالي: “وتسكن عمارة جبال موريطانيا أي المحاذية للبحر المتوسط، وتحتل الساحل المسمى بالريف الذي يبتدئ من أعمدة هرقل ليصل شرقا إلى تخوم مملكة تلمسان”. وهذا يعني أن تحديد الحسن الوزان أوسع من التحديدات التي تطرقنا إليها سابقا.

وتمتد غمارة من الشمال إلى الجنوب من سواحل البحر المتوسط إلى ما بعد قبائل بني زروال وبني ورياكل (غير بني ورياغل قرب الحسيمة)، وإلى ما بعد مصمودة جواروزان مسارة إن ما يمكن الخروج به من كل هذه التحديدات هو أن بلاد غمارة شاسعة الأطراف تمتد على طول ساحل الأبيض المتوسط من طنجة إلى ما بعد الحسيمة، كما أن حدودها الجنوبية تصل إلى قبائل بني مسارة ومصمودة…

وفيما يتعلق بسكان غمارة يرى ابن خلدون أنهم بطون من بون المصامدة من ولد: غمار ابن مسطاف ابن مليل ابن مصمود. ويقول أيضا أنهم عرب غمروا في تلك الجبال فسموا غمارة، لكنه يضيف أن هذا الرأي هو مذهب عامي.

وينسب القلقشندي في كتابه “صبح الأعشى” سكان غمارة إلى البربر. وبالنسبة للناصري في كتابه “الاستقصا” فيتفق على أن غمارة أصل سكانها بربر “فأما البرائص فنقسم إلى سبع قبائل: أوربة – صنهاجة – كتامة – مصمودة – عجيسة – أوريغة وأرداجة، ويقال ورداجة بدل الهمزة، وزاد سابق المطماطي وغيره ثلاث قبائل أخرى وهي: لمطة – هسكورة – جزولة، فتكون عشرا… وأما المصامدة فمنهم غمارة وكان منهم يليان النصراني صاحب سبتة وطنجة أيام
دخول عقبة بن نافع للمغرب الأقصى.

وإذا كانت أغلبية المصادر تتفق حول الأصل الأمازيغي لسكان غمارة فهذا يعني أن هؤلاء قد تعربوا مع دخول الإسلام إلى المغرب حيث كانت منطقة غمارة من المناطق الأولى التي شملها الفتح الإسلامي على يد عقبة بن نافع. ومن خلال كتاب “فتوح إفريقية والأندلس” يتبين لنا أن الإسلام دخل إلى المغرب مبكرا كما يؤكد على ذلك ابن خلدون الذي يشير إلى الوقت المبكر الذي دخل فيه الإسلام إلى غمارة، وإلى أن موسى بن نصير هو الذي حملها على الدخول في الدين الحنيف واتخذ بعض رجالها جنودا له صاحبوه مع طارق إلى طنجة، لہذا فغمارة تعربت وأسلمت بفضل البعثات التي كانت تنطلق من طنجة إلى النواحي المجاورة بهدف نشر اللغة العربية وتعاليم الدين الإسلامي.

وفي هذا الصدد يقول عبد الله كنون: “وأول ما بدأ نشاط هذه الحركة في أيام حسان بن النعمان الغساني أحد ولاة إفريقيا من قبل عبد الملك بن مروان، فإنه كان من الممهدين السبيل لتقدم الثقافة العربية واستقرار الحضارة الإسلامية بالمغرب فدون الدواوين ورسم اللغة العربية فأوجب بذلك تعلمها على السكان المسلمين وغير المسلمين ثم بعد ذلك أنزل عمر بن عبد العزيز بإفريقية والمغرب عشرة من الفقهاء يعلمون الناس القرآن ويفقهونهم في الدين، كذلك فعل موسى بن نصير فرتب عددا من الفقهاء والقراء للغرض نفسه وهذه كلها محاولات كانت لها نتيجتها الطيبة وأثرها المحمود في سرعة استعراب المغاربة”.

ورغم اعتناق المغاربة – وضمنهم الغماريين – الدين الإسلامي فإنهم ارتدوا عنه عدة مرات، ونقل الأستاذ عبد الله كنون عن أبي زيد القرواني قوله: “ارتدت البربر اثنتي عشرة مرة من طرابلس إلى طنجة”.

وورد عند ابن خلدون خبر الردة كالتالي: “ثم ثقلت عليهم أحكام الشرائع فارتدوا”. بمعنى أن سكان غمارة بدورهم ارتدوا عن الإسلام ولا تهمنا أسباب هذا الارتداد بل ما يهمنا هو ان مجتمع القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي كان لازال يعرف عدة مظاهر اجتماعية متناقضة مع الإسلام من المرجح أن تكون أصولها راجعة إلى فترات ما قبل الإسلام وذلك رغم أن الغماريين تعربوا وأصبحوا مسلمين.

وبما أن المناطق الغمارية من بين المناطق الأولى التي تم فتحها في المغرب فإن أول مسجد بني في هذه المنطقة هو مسجد البيضاء الذي يعرف بمسجد الملائكة بقبيلة بني حسان حاليا، ثم مسجد الشرافات بقبيلة
الأخماس حاليا الذي بناه طارق بن زياد في أواخر القرن الأول الهجري. كما بني في أوائل الفتح في قبيلة بني زيات مسجد “تکطوشت” وأيضا حسب فوائد الهبطي الصغير هناك مسجد بناه محمد زجل بمدشر بومنار بقبيلة بني زجل في أواخر القرن الأول الهجري.

هذا وقد كان أهل غمارة قبل مجيء الإسلام يدينون بديانات مختلفة لكن غالبيتهم كان تعتنق المجوسية، كما وجد من كان يعتنق المسيحية.

إذن فمنطقة غمارة بصفة عامة – ومع صعوبة إيجاد تحديد دقيق – تلك التي كانت تحتل الساحل المتوسطي من طنجة غربا إلى ما بعد الحسيمة شرقا، وإلى حدود مقدمة جبال الريف جنوبا. أما سكانها فہم بربر تعربوا مع مجيء الإسلام، وبناء على ذلك فمن أهم مدن غمارة تاريخيا نجد سبتة، طنجة، تطوان، شفشاون، أصيلة.

عنوان الكتاب: مظاهر من الحياة الاجتماعية ببلاد غمارة من خلال “الألفية السنية لأبي محمد عبد الله الهبطي

المؤلف: محمد ياسين الهبطي

الشاون بريس

يتبع…

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً