مهرجانات يجب أت تصان عن عبث العابثين

مهرجانات يجب أت تصان عن عبث العابثين

عرفتْ مدينة شفشاون في الفترة الأخيرة مجموعة “هائلة ” من المهرجانات، بميزانيات مدعومة من جهات سلطوية ، أو غير مدنية في الغالب، وقد كان حرص أحد المسئولين السابقين في وقت قريب، على إدراجها كلها في أجيندا مناسبة وطنية تصادف فصل الصيف، رغم أن بعض الأنشطة التي كان يعقد لها مهرجان وطني ، كانت تختار موعد تنظيمه بحرية وبدون ضغوط من أية جهات داعمة ، حتى ولو ” وأستفُّ تُرْبَ الأرض كيْ لا يرى له عليَّ من الطول امرؤ متطول ” بتعبير شاعر جاهلي .
وكل هذا يمكن أن يستساغ مع التكريم الذي أصبح يحظى به الضيوف. إلا مسالة ً واحدة غريبة تجعل كل هذه الأنشطة بلا مردود، وهي ما يلاحظ من أن كل جمعية لا تحضر نشاط الجمعية الأخرى ، ليصبح موسم تنظيم هذه المهرجانات مثل موسم أعراس شفشاون لياليَ صيف سنوات الستينات والتسعينات ، فكل جمعية بما لديهم فرحة ، وأهل كل ملتقى لا يهمهم ما يجري في مهرجان او ملتقيات الآخرين ، حتى ولو كان من المعروف في النقد أدبياً أو فنياً أو ثقافياً، أن الفنون وجميع أصناف الإبداع وميادين الفكر والإشعاع تتراسل ، بل وتتلاقى وتتلاقح ، وتتبادل التأثير ما بين مسرح وسينما وشعر وتشكيل، فبؤس وعي بعض ” الجمعويين” يجعل خطواتهم ، أو بالأحرى نظراتهم تضيق عن الإطلال على ما لدى غيرهم من إنجازات ولو كانوا من المتفوقين!!! مما يجعل جهوداً مضنية ًتذهب سُدى ، وأموالاً لا يعوضها إقبال المحتاجين، المحرومين من الأتشطة الثقافية ، جادة ًكانت أو قريبة َ الشبه بعبث غير المسئولين.
***
وقد اثار طرحي لهذه المسألة تدخل غيورين تخوفوا معي من ظاهرة التهريج التي تتهدد أنشطتنا الثقافية ، إلا أن تدخلاً من جهة تكاد تكون سلطوية أكثر من السلطة لاحظت عليّض أنني ربما أتكلم بدون سند أو تجربة،فقلت لصاحب هذا الصوت غير الصافي أو الواضح بالأحرى:

لا أعرف شخصياً متى بدأتم نشاطكم الثقافي، لكن إذا سمحت لي أن أذكرك بما كان يجري مع الأنشطة الثقافية خلال نصف القرن الأخير بصفة عامة، وخلال الثلاثين سنة الاخيرة بشكل خاص: فإن اأمر التنشيط الثقافي مر بمرحلتين على الأقل:
مرحلة أولى كانت السلطات تمنع كل الأنشطة الثقافية الجادة وتشجع الأسابيع السياحية التي لا تتضمن إلا مسابقات ” الشكاير ” وتكسير القدور في الساحات العامة ومسابقات الحميٍر، وسهرات الطقطوقة ، في الوقت الذي لا تسمح بأي تظاهرة جادة .
إلا أن شفشاون تميزت بمجتمعها المدني النشيط الذي فرض على السلطة رغم تحجرها أننشطة مثل المهرجان الوطني للشعر ، ومع ظهور جمعية ألوان فنية امتد النشاط إلى إقامة بطولة وطنية للشطرنج، فازت الجمعية المحلية المنظمة بعدة بطولات وطنية فيها، وإقامة أسابيع ثقافية أثارت مخاوف السلطة، مثلما حدث سنة 1981 بمنع الأسبوع الثقافي لألوان فنية ، وسنة1983 بمنع مهرجان الشعر المغربي السادس، واستمرت الجمعيات المدنية في علاقة متوترة مع سلطات الإدارة ، محلية وإقليمية لم تكونا تتورعان عن منع النشاط النقابي والسياسي والثقافين بل وتحسب ذلك نوعا من “الحزم ” المطلوب لتخويف الناشئة والشباب ، حتى حدث وشهد مجتمعنا أن واجه واقعاً جديدا مسدود الآفاق، لا يبشر إلا بخلق أجيال يتهددها أن يستقطبها الإرهاب عمليا، بالانتماء إلى صفوفه، أو رمزيا بتأيدها الضمني أو الصريح لأعماله.
فحدث أن تحولت السلطةإلى استقطاب الشباب. وربما كان هذا هو تفسير ما نشهده 
اليوم من (مفهوم جديد للسلطة) وانفتاح جيل من خريجي المسئولين المحليين والإقليميين ، على تشجيع العمل الجمعوي، بحكم نوع تكويينهم، فاتجهت السلطات إلى خلق نوع من الثقة والتعامل مع الجمعيات المختلفة وإمدادها بالدعم المادي المطلوب ، لكن حدث أن تبادلت الأميةُ المواقع ، ففي الماضي كان الأمِّي هو رجل السلطة، أما اليوم فأصبح الأمي هو “الفاعل” الجمعوي ، إلا من رحم ربك ، ولهذا شهدنا أن كل جمعية تقيم مهرجانها بينها وبين أعضائها ، يناصر بعضها بعضاً، وتقاطع هذه الجمعية الجمعية الأخرى.
وهذا ما أثار ه لديَّ، قول رجل قد يكون من الغيورين الصادقين، أنا المهمومَ بالعمل الثقافي، فكتبتُ ما كتبت عسى ألا أظلم ،
(ولا ذنب لي إلا العلا والفضائل) ، بتعبير أبي العلاء المعري .
***


أحمد بنميمون ـ شفشاون (في:2013/ 7/7)

 

 

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً