نساء شفشاون يحققن التمكين الاقتصادي عبر التعاونيات الزراعية والمبادرات الرقمية

على بعد كيلومترات من مدينة شفشاون، في أحضان جبال إقليم دار أقوباع، تبدأ إحسان حمودان، رئيسة تعاونية “بيوسليم” للمنتوجات المجالية، يومها بتسلّم حبوب السورغم من فلاحات المنطقة، قبل أن تنخرط نساء التعاونية في معالجتها وتنقيتها، كخلية نحل منظمة.

تأسيس التعاونيات النسائية لم يكن سهلا في منطقة محافظة، إذ تواجه النساء قيوداً ثقافية هيكلية تحدّ من اندماجهن في النشاط الاقتصادي، رغم أن النساء يشكلن نحو 48% من العاملات في القطاع الزراعي بالمغرب، وفقا للبنك الدولي لسنة 2023.

وتشير إحسان: “في البداية كان من الصعب إقناع النساء بالانخراط في التعاونية، لكن مع مرور الوقت تمكنّا من ذلك، واليوم تستفيد النساء من استقلال مادي وتحسّن وضعهن الاجتماعي.”

التحديات لم تتوقف عند الجوانب الثقافية، إذ تعاني التعاونيات من محدودية الموارد والمعرفة الفنية. تقول إحسان: “نجمع البذور من الفلاحات بكميات صغيرة ونعيد توزيعها للزراعة، لكن ضعف المعرفة بطبيعة التربة أثر سلباً على إنتاجية الذرة الرفيعة.”

تعاونية بيوسليم هي واحدة من نحو 60 ألف تعاونية في المغرب، تعمل على دعم الناتج المحلي من خلال مشاريع مدرة للدخل.

غير أن التعاونيات تواجه صعوبات بنيوية، تشمل صعوبة الحصول على التمويل، وضعف التحول الرقمي، ومحدودية الوصول إلى التجارة الإلكترونية والدعم الفني، وهو ما يطال بشكل خاص التعاونيات النسائية التي تمثل 13% من العدد الإجمالي، بينما النساء يشكلن 34% من العاملين في هذا القطاع.

فتحية السعيدي، مستشارة في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، توضح أن التعاونيات النسائية تواجه “قيوداً سوسيوثقافية، صعوبة الوصول إلى الموارد الطبيعية، نقص التنسيق مع المؤسسات العمومية، وضعف الدعم التقني المستمر.”

وتضيف أن المبادرات الوطنية، رغم مساهمتها في تمكين النساء، تبقى محدودة في إدماج مقاربة النوع الاجتماعي بشكل كامل.

في مواجهة هذه التحديات، أطلقت مبادرة Elle Moutmir سنة 2018 ضمن برنامج Al Moutmir الذي تشرف عليه مجموعة OCP وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، بهدف تمكين النساء القرويات عبر تكوينات تقنية، دعم إداري، وإدماج التكنولوجيا الرقمية في أنشطتهن الزراعية.

إيمان حرور، مسؤولة البرنامج، تقول: “المرأة القروية ليست مجرد عاملة في الحقول، بل مدبرة للأسرة وناقلة للمعارف الزراعية وضامنة للأمن الغذائي. هدفنا هو تمكينها اقتصادياً وريادياً وفتح آفاق للقيادة والابتكار في القطاع الفلاحي.”

المبادرة تستفيد منها نحو 2,500 امرأة سنوياً في أكثر من 40 إقليماً، إلى جانب دعم 400 تعاونية نسائية و200 شابة قائدة في مجالات الريادة والتسيير، عبر مواكبة ميدانية وتقديم حلول تقنية ورقمية متطورة مثل تطبيق أثمار للاستشارات الزراعية.

انضمت بيوسليم إلى المبادرة سنة 2019، واستفادت من تكوينات تقنية ومواكبة ميدانية، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على منتجاتها وزيادة عدد العضوات من سبع إلى ثلاثين امرأة.

تقول إحسان: “التكوين والتحاليل الدقيقة للمنتوجات، إلى جانب التطبيق الرقمي، ساعدنا على تحسين الإنتاج وتوسيع السوق.”

ورغم النجاحات، تظل التحديات قائمة، أبرزها نقص الأسواق التضامنية لتسويق المنتجات، والتكيف مع التغير المناخي. تشير إحسان: “أكثر ما نحتاجه هو إنشاء أسواق تضامنية مستمرة، فالبيع هو أساس استمرار التعاونيات.”

وتختتم إحسان حديثها مؤكدة الدور الحيوي للنساء القرويات: “هن اللواتي يزرعن ويحصدن ويثمنّ المنتجات. بدونهن لما استمرت التعاونيات، ولولاهن لما تحقق هذا الإنجاز.”

الشاون بريس/المصدر

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً