أحبب من شئت فأنت مفارقه
كالثمار يتساقط الأحباب من شجرة الدنيا تباعا! إرتباطنا الوثيق بالثمار يربك النظر إلى الشجرة من جديد ويحول دون تقبلها خضراء نضرة، معطاء كريمة…
هي العاصفة الهوجاء التي تهز الجذوع وتقتلع الأوراق دون أدنى مقاومة من الخضراء المعطاء.
يقال إن الموت يوجع الأحياء أكثر من الراحلين .. ترقد أرواحهم بسلام وتظل أرواحنا نحن متشابكة والدمع الحارق تتمنى لو تمسكت الشجرة ولو لقليل بالثمرة العائدة إلى مأواها الأخير..
لنعود ونشعر من جديد بتفاهة الحياة كلما تأبطت الريح أحد الأحباب وقست.. ولنفهم أن الأوقات التي أنعمنا بها زائلة لا محال وأن الريح لن ترحم ولن تستثن أحدا!! هي دقائق وربما سنين نحظى بها بجوار الحبيب إلى أن تنقضي وتنخر القلوب حزنا بعد الرحيل، فبؤسا لمن أمالته الرياح نحو العتمة والظلام، قهر وجرح وقسى وبنى من فوق النعمة نقما شتى أنهكت سير العلاقات إلى أن ذابت وسط حجيم القلوب المتحجرة…فلا الشجرة بامكانها إحتواء الثمار ثانية ولا الندم سيرجع الزمن إلى الوراء…! هي فرصة واحدة إما أن نحسن استغلالها وإلا فالرحيل دون ذكرى طيبة..؛
“يا محمد أحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وعش ما شئت فإنك ميت” يحضرني هذا النص الشريف متى احترق قلبي على فراق أحدهم إلى الأبد، ثم أمضي أعد حسناته وصفاته الجميلة والاستثنائية ربما، قبل أن تلومني النفس لتقصيري في الحب تجاهه .. ثم ماذا لو قضيت من الوقت الأكثر برفقته؟ ثم ماذا لو حملت الهاتف واتصلت به أو راسلته على الأقل؟ ثم ماذا لو صنعت جميلا في حقه حين أعد من الأحياء؟ ليظل الشعور بالفقد أصعب شعور يمكن أن يعتري النفس البشرية، فأن يفقد أحدهم شخصا عزيزا أو أشخاصا محاولا اقناع نفسه باستحالة التواصل معهم من جديد لأمر يفوق من الصعوبة ما في استطاعة الإنسان استسهاله … ولتظل الموت وحدها القادرة على إخضاع كل الأرواح واستلاب قوتها سواء فاقدة كانت أو مفقودة..محظوظ من استثمر مشاعره النبيلة في علاقاته الإنسانية ووظفها… محظوظ جدا ذاك المحب، المتسامح، المقترب، العفو… محظوظ جدا وجدا ذاك الذي استوعب قانون الحياة الغادرة الكاذبة أن لا زمان يدوم زمانه وأن لا شجرة تحضن ثمارها وتخلد احتواءها لهم.. فكالثمار يتساقط الأحباب من شجرة الدنيا بينما يبتسم الوجود لولادة جديدة تهدن زلزال الفراق الآليم.
مريم كرودي/الشاون بريس