إقليم شفشاون.. رحيل بطعم العطش

إقليم شفشاون.. رحيل بطعم العطش

جاءت لحظة الفراق، اليوم يترك شخص آخر هذه القرية، وفي عينه دموع تقاوم، وذكريات تعود للتو تطالبه بعدم الاستسلام والبقاء في أرض الأجداد، فالأزمة والظروف القاهرة ستمضي، صوت بداخله يقول له: “ليس هناك من داع للبقاء في أرض كهذه”.

محمد، شاب في منتصف الثلاثينيات، قرر الرحيل عن قريته التي عاش فيها منذ الولادة، قضى فيها طفولته الأولى ومراهقته وشبابه، واليوم فضل الرحيل عن بقاء بطعم الذل والشقاء، فلا حياة لصاحب أسرة في بلد أصبحت فيه لقمة العيش عسيرة.

يقف محمد أمام بيته الذي بناه بعرق جبينه من الطين بمساعدة شباب الدوار ونسائه اللواتي تكلفن بعملية إخراجه الأخيرة، وتجهيزه ليصبح جاهزا للسكان، فالعادة هنا بإقليم شفشاون، كل من أراد بناء منزل له، ينظم ما يطلق عليه “توازا” -عملية تطوعية تعاونية ضاربة في القدم- للاسراع في عملية البناء بمساعدة خيرة شباب ونساء الدوار، هذا المنزل الآن سيبقى خاو على عروشه، تركض فيه الفئران والحشرات.

في الجهة الآخرى من المنزل على جانب الطريق يقف “عبد الله” صاحب سيارة “ميرسيدس” من الحجم الكبير، محملة بفراش وأغراض المنزل المهجور، تنتظر لحظة الانطلاق بعد أن يلقي محمد تحيته الأخيرة على المكان الذي يأمل أن يعود إليه ولو بعد حين.

إقليم شفشاون، الذي كان يضرب به المثل في كل ربوع المملكة أنه إقليم الأثرياء، وكل واحد أصله من هناك فهو بالضرورة يملك المال الكثير، وذلك راجع لما تنتجه المنطقة، فـ”القنب الهندي” فعلا كان عصبا وعمودا فقريا للمنطقة، أما الآن لم يعد أي شيء من الماضي، فالذي يأتي إلى هذا الإقليم لن يجد ما كان يروى عنه ويحكى، هناك فقر وتهميش وهشاشة وسوء التغذية.

ويعيش “جبالة”، الآن، واقعا مغايرا، فالعديد من الأسر، بل النسبة الكبرى، لا تجد ما تذهب به للسوق الأسبوعي، والأمر مرده لتراجع اقتصاد المنطقة بشكل كبير، وعدم وجود فرص العمل، من قبيل تعاونيات أو جمعيات مدرة للدخل أو تجارة كبرى تستطيع انتشال المنطقة من الهشاشة.

هذه الأسباب وأخرى، جعلت العديد من الأسر تحمل أمتعتها نحو المدينة، بحثا عن حياة جديدة، وأمل جديد، وبناء مسار آخر في أرض ربما تجود بما شحت به أرض الأجداد، ولعل شح المياه أقسى ما يمكن أن تحرم الأرض منه محمدا وغير من أبناء القرية.

وأمثال محمد الذي عزم على الرحيل، كثر، هناك من ينتظر لحظته فقط، وهناك من لم تتوفر له أسباب الرحيل بعد، وهناك من لا يملك ثمن الرحيل، لإعمار بيت بالمدينة، فالعملية على الأقل تحتاج 2000 درهم.

ولعل ما كان يأمله محمد هو أن تتحسن الأوضاع، وأن تجود السماء بماء زلال يروي الحناجر والأرض والبهائم، ويدر فلاحة ينشرح لها صدره، لكن الأمر ازداد تعقيدا في غياب المواكبة من الجهات المخول لها إيجاد حلول واقعية لأزمة الماء بالدرجة الأولى، دون الحديث عن أمرور هي أحلام فقط وتحققها يحتاج عقودا من الزمن.

 

 

الشاون بريس

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً