كانت الأفران التقليدية في مدينة شفشاون تشكل جزءًا أصيلًا من الحياة اليومية، حيث لم يكن يخلو حي من فرن يضج بالحركة ويجمع سكانه حول ناره الدافئة. هذه الأفران لم تكن مجرد أماكن لطهو الخبز والحلويات، بل كانت فضاءً اجتماعيًا يعكس نمط العيش البسيط والقيم المتوارثة.
مع اقتراب المناسبات الدينية، وخاصة خلال أواخر شهر رمضان، كانت الأفران تشهد نشاطًا استثنائيًا، إذ تتوافد العائلات وهي تحمل صواني الحلويات المنزلية لطهوها هناك، في أجواء تغمرها روح التعاون والتقاسم. كان الفرن بمثابة نقطة التقاء بين الأجيال، حيث تتبادل النساء الوصفات والتجارب بينما ينتظرن نضج حلوياتهن التي تفوح رائحتها الزكية في الأرجاء.
عبد السلام، أحد أصحاب الأفران القليلة التي لا تزال صامدة، يسترجع تلك الأيام بحنين، متحدثًا عن الزمن الذي كان فيه الفرن التقليدي مقصدًا لا غنى عنه لسكان الحي، قبل أن يتراجع الإقبال عليه بفعل انتشار المخابز العصرية. ويعبر بأسف عن الصعوبات التي يواجهها اليوم، حيث أصبح يعتمد على دخل بسيط لا يكاد يغطي تكاليف الحطب الباهظة.
ورغم هذا التحول، لا تزال بعض الأسر في شفشاون متمسكة بهذه العادة، مثل نعيمة، التي تؤكد أن الحلويات المطهية في الفرن التقليدي تكتسب نكهة خاصة لا تضاهيها أي منتجات المخابز الحديثة. وتضيف أن الأفران التقليدية، رغم تراجعها، تبقى شاهدة على زمن جميل، حيث كانت الحياة أكثر بساطة، وكان لكل شيء طعم مختلف.
هكذا، وبين ماضٍ زاخر بالعادات وواقع يفرض تغييرات متسارعة، تحاول الأفران التقليدية في شفشاون البقاء، محافظة على جذوة الذاكرة الجماعية التي تأبى الانطفاء.