كشفت دراسة حول ظاهرة الانتحار بإقليم شفشاون أن العوامل النفسية تقف على رأس العوامل المسببة لهذه الظاهرة، والتي تتمثل في مجموعة من الاضطرابات النفسية المعقدة؛ أبرزها الاكتئاب الحاد، واضطراب ثنائي القطب، واضطراب ما بعد الولادة والإجهاض.
وأبرزت الدراسة، المنجزة من لدن الباحثين مصطفى العوزي وعبد ربه البخش من جمعية أصدقاء السوسيولوجيين ووكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال، أن هذه الظاهرة تعتبر مركّبة يتداخل فيها ما هو نفسي بما هو اجتماعي وما هو بيولوجي بما هو سوسيو اقتصادي.
وأفادت الخلاصات التي انتهت إليها الدراسة بأن العوامل الاجتماعية تعد من المسببات الرئيسية لظاهرة الانتحار، ومن أهم هذه العوامل العنف المنزلي، “الذي يخلف آثارا نفسية خطيرة على نفسية الفرد، وخاصة المرأة”.
وإلى جانب العوامل النفسية والاجتماعية، كشفت نتائج الدراسة أن الهشاشة الاقتصادية تعتبر بدورها واحدا من العوامل المسؤولة عن ظاهرة الانتحار، مستدلة بإحدى الحالات التي تمت دراستها، والتي انتحرت نتيجة التحول الذي مس طبيعة النشاط الاقتصادي الذي يزاوله سكان المنطقة (زراعة القنب الهندي)، بعد أن عرف تراجعا تفاقم مع مرور الوقت وأصبح يشكل ثقلا على نفسية الأفراد.
وحسب الوثيقة ذاتها، فإن غياب الوعي بأهمية الصحة النفسية يعتبر عاملا مساهما في بروز وتفاقم ظاهرة الانتحار؛ ذلك أن العديد من الأفراد ممن يعانون اضطرابات نفسية غير واعين بها، كما أنهم غير واعين بأهمية التدخل الطبي النفسي والعلاج السيكولوجي.
وسجل الباحثان اللذان أنجزا الدراسة أن الانتحار في المجتمع المغربي، ولا سيما في إقليم شفشاون، “يمكن أن يُفهم على أنه نتيجة لعمليات التغيير الاجتماعي الأكثر شمولا، والتي هي في الواقع الإشارة الأكثر وضوحا لعملية التحديث والعولمة”.
وشهد إقليم شفشاون ارتفاعا في حالات الانتحار على مدى السنوات السبع الأخيرة، مقارنة بأقاليم أخرى في المغرب؛ فقد أشارت الدراسة، استنادا إلى تقرير نُشر في جريدة هسبريس بتاريخ 30 أبريل 2021، إلى أن إجمالي حالات الانتحار المبلّغ عنها 270 حالة، لكن هذا الرقم غير رسمي.
وكان تقرير للبنك الدولي قد تحدث عن انخفاض معدل الانتحار في المغرب من 9.9 في المائة في سنة 2000 إلى 7.2 في المائة في سنة 2019.
وبالرغم من المعطيات الكمية التي تتوفر عليها بعض المؤسسات الرسمية حول ظاهرة الانتحار في المغرب، فإن الباحثيْن أشارا إلى أن الفهم السوسيولوجي لهذه الظاهرة يبقى محدودا، وأن الأرقام والإحصاءات المتوفرة، على أهميتها، تحتاج إلى تحليل سوسيولوجي يأخذ بعين الاعتبار الأسباب والنتائج الكامنة وراء هذه الأرقام.
وأوصت الدراسة بـ”ضرورة تعميق الدراسة والبحث حول ظاهرة الانتحار؛ وذلك بانخراط مجموعة من الهيئات العلمية والمؤسسات الحكومية، بشكل يمكن من ضبط الظاهرة والتحكم فيها بوصفها معضلة اجتماعية”.
كما أوصت الدراسة بإحداث خلايا الدعم النفسي والاجتماعي بالمستوصفات الجماعاتية بتراب إقليم شفشاون باعتباره أكثر إقليم يشهد ظاهرة الانتحار في المغرب.
عن هسبريس