الدين السياسي لأجَــحــَا فؤاد


الدين السياسي


كتب:أجَــحــَا فؤاد

في العقدين الأخيرين اغتنت الأدبيات السياسية في العالم العربي وفي الغرب بالحديث عن ما اصطلح عليه بالإسلام السياسي حيث أسيلت حوله كميات كبيرة من المداد وبات واحدا من الموضوعات الأكثر استهلاكا والأوسع استقطابا للإهتمام إلى حد تَرَسَّخَ الإعتقاد بأن هذه ظاهرة استثنائية وَجَبَ التصدي لها ومحاصرة امتداداتها ، وصورت وسائل الإعلام الإسلام السياسي على أنه أكبر تهديد يواجه العالم الحر والقيم الإنسانية وجميع مظاهر التمدن والتحضر ؛ هذا الموقف الذي أنتجته العقلية الغربية ، والأمريكية على وجه التحديد ، اقتنع به جمهور من كتابنا ومفكرينا وسياسيينا حتى أصبحوا أشد اندفاعا من غيرهم في تناول حيثياته دون أن يؤدي ذلك إلى رفع اللبس والغموض الذي يحيط بمفهوم الإسلام السياسي .

لماذا وقع كل هذا التركيز على الإسلام السياسي ؟ هل لأن المسألة تخص فقط الدين الإسلامي أم هناك أهداف من نوع آخر تثوي وراء هذه الضجة المتضخمة حول الإسلام السياسي ؟ وهل اختلاط الدين بالسياسة والسياسة بالدين حالة إسلامية محضة أم أريد لها ذلك حتى تتحول الأنظار عن حالات مُمَاثلة ؟ .

”الفاتيكان” مؤسسة دينية للمسيحية تمارس السياسة في أجلى صورها ولها تدخلات في كل القضايا التي يعيشها العالم ، بل ويكون المقر الرئيسي للبابا قبلة لرؤساء الدول من أجل نيل الفتوى والنصيحة والمباركة ، هذا علاوة على أن جل العواصم تحتضن بعثة دبلوماسية للحبر الأعظم في نفس مرتبة السفارة والقنصلية ، ولا شيئ في تصرفات وسياسات الدول الغربية الخارجية والداخلية يخلو من بصمات الكنيسة إن لم يكن رأيها هو النافذ ، وهذا يظهر بصورة واضحة في النزاعات الشرق أوسطية . ليس هذا فحسب ، الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية (المسيحية) موجودة وناشطة في الحياة العامة الغربية ولها تأثير كبير في سياسات الدول الديمقراطية والعلمانية وقد يصل الأمر ببعض رؤساء هذه الدول إلى حد الإعتقاد في أنهم أصبحوا أنبياءً مرسلين لإنقاذ البشرية من الشرور والأشرار كما كان يَهْذِي بذلك ”جورج بوش” إبان حرب العراق حيث اعتبر نفسه مَسِيحاً مُخلِّصاً فقام بتكوين حلف عالمي لمحاربة محور الشر . أليست هذه مسيحية سياسية ؟ أَيُمْكِنُ الإستمرار في تصديق خلو السياسة الغربية من تدخل الدين وتأثيرات الشعور المسيحي ؟ .

إسرائيل الدولة اللقيطة التي احتلت أراضي الغير بالقوة ونالت اعتراف الأسرة الدولية بوجودها انبثقت من منظور ديني صرف ، فالحركة الصهيونية التي أسست هذه الدولة حركة يهودية متطرفة بَنَتْ تصوراتها على تعاليم توراتية التي تمثل الأساس الثابت للعقيدة اليهودية كتلك المُنادية بأرض الميعاد وبشعب الله المختار وبهيكل سليمان وكنوزه وما إلى ذلك من المعتقدات التي يتجاوز عمرها آلاف السنين . سياسة الكيان الصهيوني الحالية تنطلق كلها من المرجعية الدينية اليهودية وتعمل الحكومات المتعاقبة على تَصْريف أوهام أحبار اليهود وطموحات التلموذيين المتشددين ، وليس نشازا ولا غريبا أن تسعى حكومة ”نتنياهو” لإعلان قيام الدولة اليهودية لأن هذا يشكل هدفا يَعْتَمِرُ خيال كل زعيم إسرائيلي باعتباره حلما يهوديا . والآن ، ونحن نشهد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تبذل أبواق الدعاية الإسرائيلية ومنابرها الإعلامية وحليفاتها الغربية ما في وسعها لإقناع الرأي العام العالمي بأن هذه الحرب تستهدف القضاء على حركة ”حماس” من حيث كونها حركة دينية متطرفة إرهابية أما الفلسطنيين ، كما تدعي ، فلا يمثلون بالنسبة لإسرائيل خصما ولا عدوا بل تعترف لهم بحق الوجود والحياة . تصوير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أنه صراع ديني بين المسلمين واليهود يَخْدِمُ فقط مصلحة إسرائيل ومن ناحيتين : الأولى تشجيع إسرائيل على المضي في ترسيم الدولة اليهودية ـــ الذي يُنافي المبادئ العامة للديمقراطية التي تتبجح بأنها واحة لها في الشرق الأوسط ـــ تحت ذريعة وجود كيانات إسلامية في الجوار تهدد أمنها ، الناحية الثانية فتتمثل في شرعنة توسع الدولة العبرية في جميع الأراضي التي انتشرت فيها ذُرِّيَةُ إبراهيم ويعقوب والأسباط وفي كل بقعة توجد فيها آثار اليهودية أو مكان مَرَّ منه نبي من أنبياء بني إسرائيل ، أي من النهر إلى النهر ومن البحر إلى البحر، وبالمناسبة لا بد من التذكير بأن حكومة ”نتنياهو” حركت ملف إعلان دولة إسرائيل دولة يهودية مباشرة عقب فوز حركة ”الإخوان المسلمون” في الإنتخابات المصرية .

إذا ، أليس هذا ” حلال علينا حرام عليكم ” ؟ . المسيحية السياسية نعم ، اليهودية السياسية نعم أما الإسلام السياسي فلا وألف لا وإلا قامَتِ الحروب ودُمِّرَت الدول وأُبِيدَت الشعوب . الإستفهامات التي أثيرها هنا موجهة في المقام الأول لأبناء جلدتنا حتى لا نتحول إلى صهاينة بالوكالة لأن الحرب التي يتعرض لها الإسلام السياسي سواء من الغرب أو من إسرائيل وسواء كانت عسكرية أو إعلامية أو فكرية أو فنية هي من منتوجات المطبخ الصهيوني ، لذلك إذا كان هناك من كلام يتوخى الموضوعية فعليه أن ينصب على الدين السياسي ، أي على اختلاط الدين بالسياسة بإطلاق ولا ينحصر في موضوع الإسلام السياسي وكأنه شذوذ ونشاز .


أجَــحــَا فؤاد .

شفشاون في غشت 2014

ajaha.fouad@hotmail.Com

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً