حركة 20 فبراير: الحلم مشروع … الاستمرار مطلوب بقلم عبد الإله اشفيشو

حركة 20 فبراير

 الحلم  مشروع … الاستمرار مطلوب  

1)             مدخل: 

كل حراك ثوري هو نتيجة حتمية لواقع اجتماعي و اقتصادي وسياسي معين  يهدف إلى تغييره نحو الأفضل     وبما يتماشى ومع متطلبات الواقع الاجتماعي والاقتصادي المأمول  وكل حراك يستهدف بالضرورة تغيير          ما هو كائن بما يجب أن يكون ،ومن الطبيعي أن تسبق كل حراك إرهاصات فكرية تمهّد له وتشرحه وتبين سوءاته  وتحرض الناس على الانتفاض عليه على أمل تحقيق ما هو أفضل في جميع مناحي الحياة  وإن أي حراك حتى إن كان عفويا وغير منظم فهو ناتج عن واقع اجتماعي اقتصادي مرير أساء لغالبية الناس فولّد  نوعا من الكره والنفور تجاه ما هو سائد  كمنظومة  سوسيوبوليتيكية كاملة  تخدم فئة دون أخرى  ولا تحقق العدل الاجتماعي    بين الناس  فيسارعون إلى تغييرها ولو بالقوة ويبقى التغيير رهين الوعي بإشكاليات الراهن  وعيا جماعيا لا فرديا نخبويا ، قد يكون دور النخبة التوعية و التحسيس لكنها غير قادرة على التغيير دون نشر ذاك الوعي بين السّواد الأعظم القادر على الفعل حين تُمسّ أهم حاجاته المادية فمحرك الثورة الفرنسية لم يكن الوعي الفكري فحسب     بل كان الواقع الاقتصادي المتردي والجوع الذي طال السواد الأعظم من الناس و انقطاع الأرزاق عنهم  وفساد الحاكم وجوره ولا مبالاته ، ففي هذا السياق تأتي مقاربتنا لحراك 20 فبراير  في البواعث والمسار والمآل.

2) بواعث الانتفاضة:

إن أي فعل إنساني هو فعل نسبي بمقاس العلمية المطلقة أو الحقيقة المطلقة  فالخطأ  و الإصابة جائزان   والفعل السياسي  هو فعل إنساني بما يتبعه من خيارات اقتصادية تتجلى في المنوال الاقتصادي وما يتبعه ذلك من إجراءات تنعكس سلبا أو إيجابا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد ، فمنذ التسعينات كان خيار الدولة المغربية من الناحية الاقتصادية خيارا ليبراليا  يعتمد على اقتصاد السوق بما فيه من خوصصة للقطاع العام  وتمكين المستثمرين من الانتصاب  والتسهيل الجمركي  وتغيير مجلة الاستثمارات  وتحرير الدرهم والتفويت في قطاعات الدولة العامة لصالح شركات عابرة للقارات والانخراط في منظومة العولمة وما يتبعه ذلك  من شروط مجحفة من قبل صندوق النقد الدولي   الذي يسند قروضا بشروط  مجحفة وما يطلبه من إصلاح هيكلي لبنية الاقتصاد الذي هو في الأصل اقتصاد معاشي  محدود الموارد وغير مهيكل وليس له القدرة التنافسية مقابل المنتوج الغربي  الذي غزا الأسواق وقضى على المنتوج الوطني ، لقد شهد المغرب بداية نموا اقتصاديا محترما  نتيجة بيع القطاع العمومي  ونتيجة إقبال المستثمرين عليها نتيجة للشروط الميسرة لهم ووفرة اليد العاملة الرخيصة  وقلة تكلفة الإنتاج لكن مع مرور السنوات اتضح فشل هذا الخيار فبدأت ملامح الفشل تظهر في ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل و ارتفاع نسبة البطالة بين أصحاب الشواهد العليا وعدم قدرة السوق التشغيلية على استيعابهم  وتراجع مداخل الدولة  وضعف الموارد وبدأت  نتائج التفويت في القطاع العام تظهر  وتنعكس على الدخل الفردي وعلى مستوى العيش ونمط الاستهلاك ،فسارعت الدولة إلى المزيد من التفويتات فيما بقي من القطاع العام والى الاقتراض مما زاد الوضع سوءا وصارت الدولة مرتهنة للدائنين  و ارتفعت نسبة المديونية  وتراجع النمو الاقتصادي وغلت المعيشة ، هذا من الناحية الاقتصادية أما من ناحية الحريات العامة والخاصة  فقد كان المغرب دولة الأولى بامتياز  تصادر الحقوق والحريات وتكمم الأفواه وتواجه المنتقدين للخيارات الاقتصادية بقبضة من حديد  وتقمع كل نفس معارض  وكانت تدير انتخابات شكلية يمجدها الإعلام  الموجه  ويزيف الأرقام ونسب التشغيل والبطالة ، كان التضليل  والتعتيم شاملين  فضاق الناس ذرعا بتدهور الحالة الاقتصادية والتضييق عليهم في موارد رزقهم  إضافة إلى فساد الحاكم وبطانته  وابتزازهم للناس فانتشر الفساد في كل مفاصل الدولة.

 

لقد ولّدت هذه الأوضاع حالة من الاحتقان واليأس لدى فئة الطبقة الوسطى والفئات الضعيفة الدخل ولدى الشباب المعطل عن العمل  وكانت بوادر الانتفاضة تتجلى يوما بعد آخر إذ يمكن اعتبار العاملين الاقتصادي والاجتماعي هما المحرك الأساسي لخروج حركة 20 فبراير وقد تجلى ذلك من خلال الشعارات المرفوعة … إسقاط الفساد            و الاستبداد… حرية، كرامة ،عدالة اجتماعية ،فالوضع الاجتماعي كان عاملا رئيسيا في تأجج الحراك الاجتماعي والّذي هو محصلة طبيعية لخيارات اقتصادية خاطئة باعت البلاد ورهنتها للغرب الاستعماري وسحقت أبناءها سحقا وجوّعتهم ودفعت بهم للتمرد على منظومة كاملة من الفساد و الاستبداد منظومة فئة من البرجوازية المتنفذة والمرتبطة مصالحها المالية بالخارج .                      

3) الحركة في ذكراها الرابعة :

 

سنوات مرت على الربيع العربي الذي يرى البعض أنه غير وجه العالم  و أطاح بحكام  وصعد بآخرين و ما تبعه من توظيف خارجي له  و من خراب حل ببعض الدول و من أجندات خارجية  وظفته لتحقيق مآربها في المنطقة ، كما ظهرت أشياء لم تكن تخطر يوما على بال المنتفضين كالإرهاب الذي بات ظاهرة تؤرق المواطن العربي واستهدفه في حياته ولقد شهدت تلك البلدان  عدة عمليات إرهابية وظهرت حركات متطرفة تنادي بقيام دولة إسلاموية  وحركات قسمت المجتمع إلى مسلم وكافر وهو ما صدم عامة الناس  وجعلهم ينسون مطالبهم الأساسية بقطع النظر عمن وراء هذه الممارسات ومن يديرها ومن تستهدف وما الغاية منها، فمحليا هل تحققت الأحلام المشروعة للمنتفضين من داخل حركة 20 فبراير؟؟

كانت انتفاضة اجتماعية بامتياز شعارها التشغيل والقطع مع التهميش والتوزيع العادل للثروة  وما يعنيه ذلك       من عدالة اجتماعية  تتجه نحو مناطق الفقر تاريخيا ذات الموارد الطبيعية الجمّة  والمحرومة                        منها  ففسفاطها  و بحارها وفلاحتها لم تزدها إلا بؤسا وتهميشا وحرمانا ،أربع سنوات مرت  وجاءت حكومة العدالة و التنمية ولم تجن هذه المناطق إلا البؤس ومزيدا من التهميش والحرمان  وبات المواطن الذي كان يطالب بالحرية والكرامة و العدالة الاجتماعية يلهث وراء لقمة العيش  حيث أصبح يعاني من الغلاء المهول وتدهورت مقدرته الشرائية وبات عاجزا عن توفير الضروريات وبدأت الأهداف الحقيقية للحراك تتلاشى ويتم تناسيها رويدا رويدا ، وقد ساهم الإعلام في ذلك بدرجة كبيرة  كما ساهمت الحكومة في تهميش هذه الأهداف عن قصد واضح  وسعت المنظومة الجديدة إلى إعادة هيكلة نفسها عبر الاستفتاء على دستور 2011، لقد خابت آمال المنتفضين وذهبت أحلامهم المشروعة أدراج الرياح  وبات حديثهم عن إسقاط الفساد و الاستبداد  والعدالة الاجتماعية               محل تندر و لم يعد إلا القلة يتحدثون بضرورة تصحيح المسار وما أفرزته الردة من عودة قوية للمنظومة السابقة حيث وبعد دستور 2011 عاد رموز الفساد إلى تبوأ المناصب الكبرى في الدولة ،سقطت إذا أحلام المنتفضين  وأتقن أهل الردة اللعبة وأزاحوا المنتفضين جانبا وحلوا محلهم لقد أعادوا صياغة أنفسهم موظفين الدين و الإعلام والقوى الخارجية وثيقة الصلة بهم  وحولوا مسار الحراك، فما ذا بقي للمنتفضين غير الذكرى و الأحلام؟

من المعروف أن حركة 20 فبراير كانت تخترقها شرائح واسعة من المجتمع المغربي الغير منظمة في إطارات سياسية  جمعوية أو نقابية إلى جانب بعض التنظيمات اليسارية الديمقراطية وجماعة العدل والإحسان ، وبالرغم من أن العديد من المواقع قامت بتأسيس لجان دعم بالإضافة إلى التنسيقية الوطنية للدعم لم يرق ذلك إلى الفعل المباشر في توجيه الحركة وذلك راجع لهلامية و اختراق المخزن للكثير من الإطارات الشبابية الغير منظمة                 بل في بعض الأحيان الإطارات السياسية بالإضافة إلى الانسحاب المثير لجماعة العدل والإحسان بعد بيانها الشهير، 

 

 

   هذا من الناحية الذاتية، أما من الناحية الموضوعية فان المخزن و من ورائه الدوائر الامبريالية كانت تخطط لمناورات من اجل الالتفاف على الحركة وكان خطاب 9 مارس وتنصيب لجنة فوقية مخزنيه لكتابة دستور ممنوح على المقاس والدعوة إلى استفتاء استعملت فيها لأساليب المخزنية المعروفة وتسخير الإعلام الرسمي وأيضا غالبية تلك التي تدعي الاستقلالية بالإضافة إلى المؤسسة الدينية (وزارة الأوقاف والمجالس العلمية) والمساجد والزوايا إلى غير ذلك ثم الدعوة لانتخابات برلمانية استدعي إليها الحزب الإسلامي (العدالة والتنمية )                  لتصدرها ليستعمل كقطعة غيار أخرى في الآلة المخزنية، إن هذه المعطيات منها الذاتية والموضوعية أدت إلى إضعاف الحركة وفي نفس الوقت كانت بمثابة تجربة رائدة مثيرة يجب استخلاص الدروس العميقة التي إتاحتها لنا وذلك من اجل استنهاض الوضع خصوصا وان الصراع أدى إلى المزيد من الفرز في المشهد السياسي من خلال ظهور بعض الكتل ممن يرفعون سقف الملكية البرلمانية والانتخابات البرلمانية ومغربية الصحراء وكذلك الزج بجماعة العدل والإحسان إلى أتون الصراع السياسي .

1) هل مازال بالإمكان تصحيح المسار  للاستمرار؟

 

على بعد أيام قليلة سوف تحل الذكرى الرابعة لانطلاق حركة 20 فبراير في ظروف عامة تتميز بعمق أزمة النظام ألمخزني الذي ارتأى أن يصرف هذه الأزمة على كاهل الجماهير بعدما اعتقد أن الحراك الجماهيري تراجع وانه ابتعد عن منعطف الخطر وذلك عبر المزيد من تمييع المشهد السياسي واستشراء الفساد بكل أنواعه والرفع  من وتيرة القمع في حق الأصوات المعارضة والإجهاز على ما تبقى من القوة الشرائية للمواطنين بعد الرفع من الأسعار في جميع المواد الاستهلاكية الأساسية، وفي المقابل يحصل تصاعد الوعي الجماهيري بهذه الظروف بحيث أنها أصبحت تمس بشكل مباشر مجالات حياتهم السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية مما يطرح راهنية حركة 20 فبراير بإلحاح ولكن بصيغ جديدة تراعى فيها عناصر قوتها و وضوح الرؤية المستقبلية بشكل يضمن الوصول إلى أهدافها المسطرة في إطار جبهة شعبية واسعة للنضال ضد المخزن بشكل واع ومنظم. 

فيرى بعض المتفائلين من أبناء حركة 20 فبراير أن المعركة مع الفساد و الاستبداد مازالت طويلة وأن مقارعتهم مستمرة ولو لزم الأمر العودة إلى نقطة الصفر وأنه مازال بالإمكان  تحقيق أهداف الحركة وتغيير الخارطة السياسية  وهدم المعبد فوق رأس رواده  وأن ما يحصل من أمر هو مجرد مرحلة  وأنهم خسروا معركة ولم يخسروا الحرب ، قد يكون تفاؤلهم مبررا  لأنه من الصعب أن تعود ألأمور إلى حالها الأولى وبات من العسير عودة الاستبداد فحتى زمرة المنظومة القديمة تخشى أن تقع في هذا الخطأ لأن الأمر ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض وأن الانحراف مؤقت كما يراه البعض انحراف ناتج عن عدة عوامل تتجاوز قدرة المنتفضين وتتداخل فيها عدة جوانب محلية وإقليمية ودولية.

 

شفيشو عبدالاله / الشاون

 

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً