حوالة الزاوية التهامية الوزانية الشفشاونية وإشكالية ضبط تاريخ تأسيسها
الوثيقة المعروضة حبس تقدم به الحاج محمد بن محمد العمرتي الشفشاوني لحوّالة الزاوية التهامية الوزانية الشفشاونية علما أن في النصف الأعلى حبس آخر للحاج محمد ذاته لغرسة له في “شرّيبة” بتاريخ 15 ذي الحجة 1221.
الرسم العدلي المورد أسفله الذي وقّعه العدلان السيدان محمد بن أحمد اشفيشو والشريف سيدي التهامي بن الأمين الحسني العلمي والمؤرخ في “عشري ربيع النبوي 1233” يفيد بأن “…حبَّس الخير الدين الحاج محمد بن محمد العمرتي الشفشاوني الدار والقرار وذلك جميع الطرف من الأرض الكائن له عدوة شفشاون…” مع ضبط حدودها قبلة وشرقا وغربا وجوفا “… على زاوية الرباني سيدي ومولاي التهامي الحسني العلمي الكائنة بحومة الخرازين من محروسة شفشاون…” ومع تنصيص دقيق للطرف المستفيد من محصول غلة الحبس “… بأن تأخذ الزاوية المذكورة النصف من غلة الطرف المذكور والنصف الآخر يأخذه من يتولى الإمامة لمحرابها وقراءة الصبيان …”.
الحاج محمد بن محمد العمرتي المذكور أعلاه هو مؤسس الزاوية التهامية الوزانية بشفشاون التي حين أُقدم على تغيير اللوحة الأصلية التعريفية بها واستبدلت مؤخرا بلوحة تنسب الزاوية للأسرة العمارتية أُدرج تاريخ تأسيسها وحدد في سنة 1122هـ.
.
هنا انبجست إشكالية ضبط التواريخ بمنهجية علمية تستقرئ الوثائق المتاحة : كيف لشخص مازال يحبس على الزاوية سنة 1233 يكون قد شيدها سنة 1122هـ أي قرن و زيادة قبل تاريخ تحبيسه!؟ وهل يستقيم التاريخ المدون على اللوحة التعريفية مع الإثبات الموثق بل حتى مع الحجة العقلية؟
أما من باب الدليل النقلي، فالحاج محمد العمرتي المذكور (من وازع التدقيق فلقب العمرتي كتب قديما بدون ألف المد بعد الميم و قبل الراء) هو بمثابة القعدود الفعلي لجميع آل العمارتي الشفشاونيين إذ هو العقب الوحيد لأبيه محمد الذي هو بدوره العقب الوحيد لأبيه محمد الوافد على ثغر شفشاون بعد قيامه بواجب الجهاد بالسواحل الشمالية للمملكة والقادم من قبيلة بني عمارت الريفية في العهد الإسماعيلي كما هو متواتر شفاهيا.
الحاج محمد بن محمد بن محمد العمرتي المرابط ينفرد بتحلية الحاج عن غيره في تلك الحقبة إذ لا أخ له ولا عّم له بل فقط أولاده الخمسة الحاج عبدالسلام و الطالب سي المهدي وأحمد وعلي ومحمد (هذان الأخيران لم يخلفا) .
أما من باب الدليل العقلي، وإن فتح باب التخمينات الفرضية على منهاج الفقه الافتراضي الحنفي، فإن الحاج محمد المؤسس سيكون قد شيد الزاوية الوزانية في الثلاثين من عمره على الأقل ما يجعله قد ولد حوالي 1090هـ فيصير عمره 140 سنة على الأقل عند توثيق الحبس المعروض. فرضا لو قبل طرح 140 سنة في عمره وزيادة فستبرز شائبة مفصلية: إن ولد في تاريخ 1090هـ على أي سن أنجبه والده؟ لو اعتبر احتمال الإنجاب على سن العشرين أي حوالي سنة 1070هـ فقد خرج السياق التاريخي من الفترة الإسماعيلية بل العلوية إلى الدولة السعدية دون الحاجة إلى إقحام الجد القادم إلى شفشاون في سلسلة الفرضيات والمعادلات.
يبدو أن تاريخ تأسيس الزاوية التهامية الوزانية الشفشاونية بعيد كل البعد عن الذي وضع في اللوحة التعريفية بها بل الراجح أن يقدر حوالي سنة 1200هـ اعتبارا لأقدم رسم في الصفحة 9 من حوّالة الزاوية المؤرخ في نصف شعبان 1205هـ لحبس الحاج محمد بن المرحوم السيد محمد الأكبر بن أحمد الذبيبح في حضور مقدم الزاوية السيد الحاج أحمد بن المرحوم المهدي العشاب بشهادة الفقيهين العدلين الشريفين سيدي التهامي بن الأمين الحسني العلمي وسيدي علي بن أحمد الحسني العلمي وعطف القاضي الشريف مولاي أحمد بن محمد بن عبد السلام الحسني العلمي.
كتاب “من تاريخ شفشاون” (الجزء الأول)
للمؤلف طه بن فاروق الريسوني
تصدير: عبد الله ساعف
الشاون بريس/يتبع…