شفشاون البقرةُ اَلْحَلُوبُ
ماهو السر الكامن وراء وجود ترسانة ضخمة من المؤسسات البنكية في مدينة شفشاون وفي المراكز القروية المجاورة ؟ . إن حجم تمثيلية المؤسسات المالية ، والوازنة منها ، في هذه المدينة يثير جملة من التساؤلات والإستفهامات ويدعو إلى الحيرة تارة وإلى السخط والتدمر تارة أخرى ، فلا أحد يملك تفسيرا ملائما للوظيفة الحقيقية للأنشطة الفعلية التي تؤديها وكالات هذا الأخطبوط المالي .
شفشاون مدينة فقيرة ، معزولة ومهمشة داخل خريطة المغرب وذلك على جميع الأصعدة ، لا موقع لها حتى على شبكة الطرق الوطنية ، مدينة تقع خارج اَهتمامات الرباط ومشاريعها الإنمائية التي تتمتع بها باقي مناطق المغرب النافع . شفشاون تنتمي إلى المغرب الأقـْـسَى ، مقصية منسية متأخرة عن قافلة التحديث والتطوير الذي تعرفه أجزاء عديدة من الوطن ، فهي لا تبعد كثيرا عن طـنجة ومع ذلك لم يصلها أي شيء من المشاريع العملاقة التي تحتضنها مدينة البوغاز ، لا تزال الهجرة قدَرا متحكما في عقول الناس وموجها لطموحات الشباب وخيارا مقنعا ومعقولا عند الكثيرين . شفشاون مدينة وحيدة داخل إقليم قروي مترامي الأطراف كله مشاكل وإكراهات ، هي عاصمة إقليم منكوب مُدَمًَر مُحَطمِ بشريا وطبيعيا واقتصاديا ، إقليم مُتوجه نحو أفق مأساوي إن لم يكن قد بلغه الآن ، إقليم العقوبة الجماعية والصراح المؤقت والأحكام الموقوفة التنفيذ ، كل سكانه متهمين ومواطنين من الدرجة الثانية ؛ إذا ، ما هي الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات البنكية الكبرى لهذه المدينة ولهذا الإقليم في هذا المناخ الإقتصادي المنحط ولهؤلاء الناس ؟ .
يُنْظرُ إلى شفشاون وإلى الإقليم عموما على أنه منطقة محظوظة لأنه يتمتع بنعم محسود عليها لذلك فهو ليس في حاجة إلى تنمية ولا إلى مشاريع إقتصادية بل هو غارق في تُخمة الرخاء تغنيه عن أي شيء يأتيه من أهل الرباط . هذه نظرة اَلْعَوَام ، وكذلك هي نظرة الجهات الرسمية للدولة وللمؤسسات العمومية ولأحزاب سياسية ؛ إن زراعة الكِيفْ وتجارة المخدرات المترتبة عن تحويل منتوج هذه الزراعة التي تستحوذ على جل الأنشطة الحية لساكنة الإقليم هي سبب تكوين هذه النظرة ، فهذه الأنشطة تروج رساميل مالية خيالية تضاهي ما تروجه بعض القطاعات الحيوية في المغرب ، وتوظف عشرات الآلاف من اليد العاملة بأجور مرتفعة عن مستوى سوق العمل وتوفر مجالات واسعة لخلق فرص عمل جديدة موازية ومكملة للنشاط الرئيسي ، كما أن الحركة التجارية والخدماتية الموجهة للإستهلاك تعيش اَزدهارا لا نظير له ؛ لقد أصبح إقليم شفشاون سوقا إستهلاكيا مائة في المائة مقابل صفر في المائة من الإنتاج ، لذلك فهو يمثل الآن القبلة المفضلة لكل المغامرين من أجل الثروة واللاهثين وراء الإغتناء السريع .
إذا كانت النظرة السائدة في المغرب عن إقليم شفشاون مقتنعة بأنه إقليم يتمتع بثروة لا تنضب وبأن سكانه أغنياء يعيشون في بَحْبُوحَة “الألْدُورَادُو” ، فإنه علينا نحن أبناء هذه القطعة من المغرب أن نَجْهَرَ بمآسينا وأن ندق ناقوس الخطر بكل ما أوتينا من قوة وأن نخترق جميع المنابر من أجل تغيير هذه النظرة وتقديم الصورة الحقيقة التي خلفتها زراعة الكِيفْ وهيمنة الأنشطة اللامشروعة على الوضعية الإجتماعية والإنسانية والإقتصادية والطبيعية بالإقليم ، وأيضا من أجل فضح تواطؤ الدولة في نَكْبَة إقليمنا وتورطها بطرق متعددة ومُتلونة في الإستفادة من مداخيل هذه الأنشطة اللامشروعة ؛ علينا نحن أبناء شفشاون وإقليمها أن نطالب الدولة بوضع برنامج وطني استعجالي لإنقاذ هذه المنطقة من الهلاك المحقق لا أن ترسل البنوك لامتصاص السيولة المالية الفلكية التي تنتجها تجارة المخدرات وتقوم بترحيلها إلى الدار البيضاء لتمويل المشاريع التجارية والصناعية والفلاحية في جهات المغرب النافع ؛ أليس هذا هو ما يثوي وراء تدافع مجموعة من المؤسسات البنكية إلى فتح أبواب وكالاتها بمدينة شفشاون ؟ و أليس هذا دليلا لا يحتاج إلى دليل على تورط مؤسساتنا المالية الوطنية في تبييض الأموال الغير مشروعة ومشاركتها في غسْلٍ رساميل تجارة المخدرات ؟ ومن ثم كيف يَسَعُنا الإطمئنان على اَقتصادنا الوطني المُهَيْكل المبني على موارد مالية ناتجة عن اَقتصاد غير مُهَيْكل … ؟؟؟؟؟ .
اَنـــتـــهــــى
فــؤاد أَجَـحَــا
شفشاون في أبريل 2014