شفشاون.. نظام “فرقة الدليل” في عهد الهاشمي السفياني
كان نظام هذه الفرقة كما حكي لنا عنه وعرفناه، يجمع بين الروحي والاجتامعي في نفس الآن؛ كان لها صندوق يضع فيه كل من تأخر عن موعد الحضور المقرر قدرا مصطلحا عليه من النقود، وكان هناك التزام تام من الفقراء بدفع هذا الواجب عن تأخرهم، وإلى رصيده من هذا كان يضاف ما تجنيه الفرقة من ممارسة أنشطتها كـ: “إخراج {اللطيف}، و “الفدية”، و “السلكات” من القرآن، وما تحصل عليه من دعوة دعيت إليها مدينة كانت أو رسمية. وكان أمين هذا الصندوق السيد عبد السلام بن تحايكت، وكان لهذا الصندوق أثره الحسن على تسيير الفرقة، وإشاعة روح التضامن والتكافل بين أعضائها؛ فمنه يتم اقتناء ما تجتمع عليه من أكل وشراب بالزاوية أو خارجها في نزهة للفقراء، ومنه تتم مساعدة المعسر المحتاج كمن أفرادها، ومنه تتم مواساة مريضها وعيادته بالمعروف، ومنه تخرج نفقة محرومها لرحلة خارجية للفرقة. وأذكر في هذا المجال – وأنا في مقتبل العمر – زيارة الفرقة للوالد وهو على فراش مرض أقعده عن الخروج، وما ساقته معها مقدمة إياه بين يدي عيادتها للأسرة.
وذكر لنا السيد علي بن محمد الرحموني: أن صندوق الزاوية هاداه – كأحد أفراد الفرقة – في زواجه بمواد غذائية.
وكانت الفرقة تجتمع مرة كل أسبوع بعد صلاة العشتء من يوم الخميس؛ حيث عرفتها بزاوية مولاي علي شقور، وكان اجتماعها على قراءة أجزاء من كتاب: “دلائل الخيرات”، وما تيسر من القرآن الكريم، وعلى إنشاد الأذكار، وأبيات من {“همزية” البوصيري و “بردته”}، إلى إخراج “الفديات” و “اللطيف” و “سلكات القرآن” لمن يلتجئ إليها إيمانا بفضلها، وتيمنا ببركة أدعيتها وتوسلاتها. ولقد شاهدت ذلك منها مرارا وأنا في صحية والدي بهذه الزاوية.
وتخرج الفرقة بأنشطتها استجابة لراج يستدعيها لمناسبة من المناسبات، وقد تخرج بدافع ذاتي مستمد من أدبياتها الأخلاقية لعيادة فقير مرض وأقعده مرضه عن الحضور إلى الزاوية، أو لتوديع حاج إلى بيت الله الحرام، أو استقباله لدى رجوعه، أو للمشاركة في مراسيم إعداد ميت إلى مثواه الأخير؛ باعتبار قراءة أجزاء من “دلائل الخيرات” و “بردة البوصيري” من العروض الأساسية في الموضوع بحكم العادة في المدينة.
وقد يتعدى خروج الفرقة حدود المدينة إلى جهات معنية تربطها بها صلة المعتقد، وممارسة المعتمد من الطقوس التي قد تشتد حرارة أذكارها المنشودة حد ما يصطلح عليه لدى الصوفية ب “العمارة”، وذلك إما عن طريق دعوة تتلقاها منها، أو بحكم ترددها المعتاد عليها في أوقات معنية لطابعها الترفيهي أو الروحي أو لهما معا.
والترفيه هما ليس متعة مادية صرفة، وإنما بوجود “فرقة دليل” عنده يصبح له طعم وجداني يجلله، فإذا هو جمال يجمع بين إيقاع المكان، ونكهة الحضور الصوفي. وتحضرني هنا النزهة السنوية التي كان -ولا يزال- يقيمها الفقراء الدليل بضؤيح مولاي عبد السلام بن مشيش، وما يجتمع عليهم فيها من الخلق عندها ممن يصحبهم من شفشاون، وممن يتصادف وجوده هناك: يذهبون بمعداتهم وعدتهم أكلا وشرابا ودثارا؛ حيث يجدون من يستقبلهم هناك من آل المكان، وينزلهم على الرحب والسعة.
وبرجوعنا إلى مذكرة السيد الهاشمي السفياني رحمع الله، نجد إشارات إلى هذه النزهة، وإلى سواها من رحلات الجماعة كلا أو بعضا، أو ضمن جماعة صوفية غيرها كفقراء الزاوية الدرقاوية بشفشاون، نظرا لما يجمع الكل من وشائج مذهبية غائية. وكاستدلال على هذا؛ نورد على سبيل المثال لا الحصر:
– إشارتين إلى رحلة “فقراء الدليل” إلى ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش، يذكر في آولاهما بالحرف ما يلي: {وأثناء أيام عيد الفطر لسنة 1398هـ، سافرنا صحبة فقراء دلائل الخيرات لضريح الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش نفعنا الله}، وفي الإشارة الثانية يقول: {وفي يوم الخميس ليلا: 19 شعبان 1395هـ، أقمنا رحلة لضريح الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش صحبة الفقراء قراء دلائل الخيرات}.
– إشارات إلى زيارة ضريح المولى إدريس الأكبر بزرهون؛ الأولى بتاريخ: الخميس 29 رجب 1393 هـ، ق: 29/8/1973م، والثانية بتاريخ: الخميس 14 رجب 1392 هـ، ق: 24 غشت 1972م، والثالثة بتاريخ: الخميس 25 رجب 1394هـ، ق: 15 غشت 1974م حيث يقول: ( أقمنا رحلة للولي الصالح المولى إدريس الأكبر بزرهون بمناسبة موسمه المبارك…).
– إشارة إلى زيارة ضريح مولاي العربي الدرقاوي بقبيلة بني زروال بتاريخ 9/6/1974م.
– إشارة إلى زيارة مدينة مكناس بتاريخ: الأحد 6 شعبان 1402 هـ، ق: 30/5/1982م حيث كتب تحت هذا التاريخ: (سافرنا إلى مكناس صحبة بعض الفقراء؛ لحضور النزهة السنوية التي يقيمها أفراد دلائل الخيرات بالمغرب، وأقيمت بغرسة الغبري قرب المسجد الأبيض، شارع الزيتون).
والجدير بالذكر في هذا الموضوع، أن الفرقة كانت أيضا تستقبل وفود زائريها من أنحاء مختلفة من المغرب؛ مما يظهر أن الكثير من خرجاتها كانت تدخل في إطار تجديد روابط التواصل مما أشرنا إليه سلفا. وبهذا الصدد، ننبه إلى ما أشار إليه السيد الهاشمي السفياني في مذكرته بتاريخ: الجمعة 26 رجب 1399 هـ ق: 22/6/1979؛ حيث تحدث عن النزهة السنوية لفقراء الدليل بـ”غرسة العاصمي” بشفشاون، والتي حضرتها وفود من مكناس والرباط ومراكش وسوق أربعاء الغرب وزرهون وأصيلا.
وكانت للفرقة أيضا خرجات إلى مدن تستدعي إليها من شفشاون من أبناء لها تركوها لسبب ما، فيكون استدعؤهم لها بمناسبة من مناسباتهم استجابة لحنين منهم إلى مدينتهم يرون أن هذه الفرقة خير من يستجيب عندهم لإشفاء غليله وتلبية حاجته، وقد تكون هذه الدعوة من غير هؤلاء، كما نستكشف من هذه الإشارات من مذكرة صاحبنا في الموضوع كنماذج للاستشهاد:
– إشارة إلى حضور حفل عقد قران أحد أبناء أعيان شفشاون بمدينة فاس ببنت أحد أبناء هذه المدينة بتاريخ: 24 جمادى الأولى 1391هـ، ق: 18/2/1971م.
– إشارة إلى سفر نحو مدينة طنجة لتنشيط حفل ختان أحد أبناء محام شفشاوني بها بتاريخ: 8 ربيع الثاني 1395 هـ، ق: 20/04/1975م.
– إشارة إلى حضور الذكر الأربعينية لوفاة أخ باشا شفشاون بأصيلا بتاريخ: 18 جمادى الأولى 1397 هـ، ق: 7/5/1977م.
هذا، دون إغفال سفر صاحبنا في مجموعة منتخبة من منشدي شفشاون إلى الرباط، وهو في جلهم – إن لم يكونوا كلهم – من الفرقة لتخليد ذكرى العاشر من رمضان التي توافق وفاة الملك المرحوم محمد الخامس، أو إلى حيث كان يتم الاحتفال بذكرى مولده، عليه الصلاة والسلام بحضرة الملك الحسن الثاني قسد حياته رحمه الله. وفي كل الأحوال، يبقى لصاحبنا الوضع المتميز والصدارة في الحسبان.
الكتاب: الهاشمي السفياني رجل زمانه بشفشاون
المؤلف: ذ.محمد ابن يعقوب
الشاون بريس/يتبع…