شفشاون والتطبيع مع إسرائيل

 


شفشاون والتطبيع مع إسرائيل

 

 

التطبيع مع الكيان الصهيوني قضية يُجمع على مناهضتها كل المغاربة مهما كانت انتماءاتهم السياسية والإديولوجية والإجتماعية ، ولا حاجة إلى التأكيد هَاهُنَا على أن فلسطين تسكن كيان كل مغربي وأن القوى التقدمية والديمقراطية المغربية جعلت من قضية الشعب الفلسطيني قضية وطنية ، بل ربما هي القضية الوحيدة التي تحظى بالإجماع اللامشروط من طرف المغاربة ، لذلك كان طبيعيا أن يَتَسَاوَقَ هذا الإجماع مع إجماع آخر هو الرفض المطلق والعام لأي محاولة للتطبيع مع دولة إسرائيل الصهيونية المحتلة للأراضي العربية والتي تمثل حاليا آخر مظهر من مظاهر الإستعمار والتمييز العنصري تعرفه البشرية . وفي الحقيقة ليس المغاربة وحدهم من يتبنى الموقف الرافض لكل نوع من أنواع التطبيع مع دولة إسرائيل ومؤسساتها ، فالأشقاء في تونس اَرْتَقوا بهذا الرفض إلى مستوى جَعْلِهِ واحدا من مواد دستور الدولة الجديدة ، والمجتمع المدني التونسي يوجد على درجة عالية من اليقظة اتجاه هذا الموضوع ، كما نلحظ ذات الوعي عند باقي الشعوب العربية التي يجمعها شعور واحد هو الخوف من مستقبل التعايش المفروض مع كيان مصطنع مِنْحَةً وَهَبَهَا المنتصرون على النازية للحركة الصهيونية كتعويض عن مايسمى بالهولكوست . لقد تأسست الحركة الصهيونية في أواسط القرن التاسع عشر (ق19) على مبادئ العنصرية والكره المطلق لغير اليهود والعزم على الإنتقام من العالم تكفيرا لما عاناه الشعب اليهودي جراء الدياسبورا (Diaspora) وتجسيدا لعقيدة شعب الله المختار فكان الشعب العربي الفلسطيني أول الشعوب الذي يتعرض لهذا الإنتقام ، ولقد أثبتت إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 أنها مصدر الفتن ومعاداة السلم والإستقرار وتمارس جميع أصناف الحروب ضد الشعوب المجاورة بما في ذلك الحرب التجارية والفلاحية والمالية والعلمية والأدبية والفنية والإعلامية… ؛ إن التطبيع مع إسرائيل لا يقف عند حدود العلاقات الدبلوماسية وفتح مقرات السفارات والقنصليات بل يَفُوتُ ذلك إلى مجالات متعددة ومعقدة ، إنه تطبيع مع حركة صهيونية عالمية توظف شتى الأساليب لتخريب مقدرات الشعوب ومقوماتها وشخصياتها وتنخر اقتصاداتها وتشوه قِيَمَهَا وثقافاتها ، بالجملة إنه تطبيع مع رؤيةٍ ونظرةٍ عنصرية للحياة وللإنسان وللعالم . الإنسان كائن رامز بطبعه ، يستهلك الرمز بصورة واسعة ويتفاعل مع دلالاته أكثر من تفاعله مع الكلام واللغة، ويُعتبر المجال الرمزي أشد المجالات تأثيرا على نفسية الإنسان ومخيلته ولاوعيه ، لذلك فهو يشكل أفضل واجهة تستغلها الحركة الصهيونية لتمرير عقليتها العنصرية وفرض شخصية دولة إسرائيل في الفضاء العام . مدينة شفشاون التي عاش فيها اليهود منذ قرون ورحلوا عنها بعد نكبة فلسطين لم تَسْلَمْ من بصمات الرموز الإسرائيلية إلى حد أنها باتت مألوفة وتحولت إلى رمز من رموز المدينة ، إن اللون الذي يَصْبَغُ به الشفشاونيون جدران مساكنهم وأبواب منازلهم ومحالهم ونوافذ بناياتهم ومِزْهَرِيَّاتِهِم وأسطح بيوتهم والذي جُعل لونا رسميا للمدينة هو لون علم دولة إسرائيل ، أي اللون الرسمي للدولة العبرية . صحيح أن هذا اللون هو لون مثل باقي الألوان لكن غير الصحيح هو أن يُعْتَمَدَ كلون رئيسي تُعرف به مدينة شفشاون ، فالألوان كثيرة وإمكانية الإختيار بين الألوان متوفرة وواسعة فلماذا هذا اللون بالضبط وكيف تم هذا الإختيار ؟ . ليس هذا فحسب من ما يمكن الإشارة إليه كعلامة من علامات التطبيع (الغير مقصود طبعا) التي نتعايش معها داخل هذه المدينة ، ففي مركزها وعلى واجهة إحدى البنايات التاريخية المُحيطة بِدَوَارِ “الخـَاصَّة” تعلو أربعة نجوم داوود سداسية القوائم ، إثنتان كبيرتان واثنتان صغيرتان تتزخرف بها نوافذ مساكن يقطنها مغاربة مسلمون ؛ ما الغرض إذن من وجود هذه الرموز وبهذا الشكل وفي هذا المكان ؟ . التطبيع مع الدولة الصهيونية قرار خطير وموقف منبوذ وجريمة في حق الشعوب ، وإن أخطر تطبيع يمكن أن يتم مع الكيان الصهيوني ، بوعي أو بدون وعي ، هو التطبيع الرمزي ، كما أن أنجع وسيلة لمناهضة أي شكل من أشكال هذا التطبيع هو التصدي للتطبيع الرمزي ومحاربة أي أثر من آثاره .


انتــهــى

فؤاد أَجَـحَـا . شفشاون في يوليوز 2014

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً