ظاهرة الاعيان تعود الى مدينة شفشاون بعد دستور 2011

 

 

ظاهرة الاعيان تعود الى مدينة شفشاون بعد دستور 2011

كتب: خالد مخشان

عرفت الحياة السياسية في المغرب بشكل عام تطورا ملحوظا منذ الاستقلال إلى ألان رغم ان هذا التحول لم يصل الى المدى الذي من المفترض ان يصل إليه، فلا نزال نحتاج إلى أشواط طويلة من البناء والعمل الجاد والمسئول للوصل الى المراد المنشود، فالواقع السياسي في البلاد لا زال يعرف انحطاطا وتدنيا في الاداء والأسلوب، لكن رغم هذا يجب ان نثمن ما وصل اليه حال البلد وخاصة بعدما يصطلح عليه بعصر ما بعد دستور 2011، والذي اعطى في نصه المكتوب مكانة مهمة للأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، لدرجة انه اصبح من حق المجتمع المدني ان يقوم بصياغة مقترحات قوانين ويشارك في مراقبة الحكومة والمجالس المنتخبة، من برلمان ومجالس بلدية وإقليمية وجهوية، فالهدف من هذا –طبعا في جانبه المثالي- القطع مع الممارسات السياسية السابقة، وتقوية دولة المؤسسات والقطع مع دولة الاشخاص والأعيان والنخب المتحكمة في الخيرات وفي صناعة القرارات، وفي مدينة مثل شفشاون المعروفة تاريخيا بنزوعها نحو التحرر، ومقاومة كل ما يمكنه ان يقيد حريتها واستقلاليتها، كما انها معروفة في الفترة الراهنة بدينميتها وحركيتها الغير المسبوقة في مجال العمل الجمعوي، حتى اصبحت محاج وقبلة لكل المهتمين والفاعلين الجمعوين، فالنسيج الجمعوي في المدينة يعتبر شريك اساسي في التنمية، ففي كثير من الاحيان استطاع ان يتجاوز المجالس المنتخبة في حله للمشكلات التي تتخبط فيها المدينة بحكم قدرته ومرونته على التفاعل معها.

لكن بعدا هذا الحراك الذي تعرفه المدينة من طرف النسيج الجمعوي القوي الذي لا يمكن ان يتجاوزه حتى المجالس المنتخبة في اتخاذ القرار المتعلق بتنمية المدينة، يظهر اناس من بني جلدتنا نعرفهم واحدا واحدا، ونعرف وضعياتهم داخل المدينة، في زمن التحول السياسي الذي يصبو القطع مع كل الممارسات الماضوية، ويطلقون على انفسهم “أعيان المدينة” فقط لان غالبيتهم من ذوي الثروات المتراكمة، ويتجهون الى السيد عامل الاقليم يتحدثون بلسان حال سكان المدينة، فهذا في نظري ردة حقيقة عن السعي وراء تأسيس دولة المؤسسات ،

طبعا من حق كل مواطن او مواطنة ان يشتكي للمسئولين من اوضاع لمدينة ويوصل هموم المواطنيين الهم، لكن في تصوري الخاص، يجب ان يكون الامر إما بصفتهم “الشخصية او السياسية او النقابية او الجمعوية…”، وليس بصفتهم “اعيان للمدينة”، فهذا الامر يعتبر تكرس للطبقية الاجتماعية والتفاوتات بين ابناء الشعب المتساوون بمنطوق الدستور، فظاهرة الاعيان التي استمرت مئات السنين في المغرب والتي كانت (ولا تزال بصورة اخف على الاقل في الظاهر) هي 

القناة الاكثر فعالية في ضبط النظام والحفاظ على الاوضاع السياسية والاجتماعية ، وحفظ التوازنات داخل المجتمع، استخدمهم السلاطين والحكام في الماضي ، ثم استخدمهم الاستعمار بعد ذالك وقدم لهم تسهيلات كبيرة، وأمدهم بالمال والقوة والسلطة والنفوذ، حتى يكونوا عونا له في استعمار البلاد، ونهي خيرات العباد، فهذا المصطلح “الأعيان” مرتبط ارتبطا وثيقا بأبحاث السوسيولوجية الكولونيالية (الاستعمارية) فقد كانوا يستخدمون من طرف الحاكم كغطاء لشرعنة حكمه ونفوذه وطغيانه.

فهذه الظاهرة (الاعيان) التي كنا نعتقد ، ونأمل ان تنقرض، تعود اليوم لمدينة شفشاون بحلة جديدة، رجال من المتنفدين اقتصاديا واجتماعيا… اطلقوا على انفسهم هذه التسمية، وعلى شخوصهم (التي نحترمها في ذاتها ونكل لها كل التقدير). يتحدثون بهذه الصفة كأنهم اوصياء علينا وكأننا قاصرين اجتماعيا، فهذا الانتقاد الذي اقوم به لهذه الظاهرة لا يجب ان يفهم منه اني ادافع عن المجلس المنتخب بالمدينة فهذا الامر نتركه للساكنة هي التي ستقرر في امره بعد ان يبلغ اجله الدستوري والقانوني فإن أردوا ان يتركوه يسير المدينة، وان يجدد فيه الثقة فل يكن ، ولن نتدخل في شأنهم، وان أرادوا ان يخلعوه وان يأتوا بأخر مكانه فذلك امرهم وشأنهم.

فمثل هذه الظواهر التي تترك وستترك المغرب يتأرجح ما بين التقليد والتحديث، علينا ان نقطع معها، لكي نستطيع ان نبني دولة المؤسسات وليس دولة الاشخاص و”الأعيان”.

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً