عن الجرائم التي نرتكبها في حق أنفسنا
يقول التبريزي: “رأيت أناسا مهما أخذت منهم الحياة أغنياء، ورأيت أناسا مهما أخذوا من الحياة فقراء“. ..
فالغنى الحقيقي لا يكمن في الكم الذي اقتنصه الانسان من الحياة.. بل في أشياء أعمق وربما أثمن من المظاهر التي يركض خلفها..!!
ولعل أفقر الناس أحوجهم للأدب والقيم.. ولعل أغناهم من استطاع الحفاظ على نقاء قلبه في ظل الزوابع المظلمة التي تحلق حوله.. !!
تجمعنا الحياة بألوان متعددة من الكائنات البشرية، ومن الأنفس المتباينة.. إلا أن العود الطيب يظل ريحه عالقا بذاكرة القلب ويأبى أن ينمحي منها، وكم من إنسان لم نلتقيه قط إلا أن شيمه الحميدة سبقته إلينا كصدى الصوت المنبثق من المذياع الجديد.
حقيقة.. وللأسف، نعيش حياة يطوقها التوتر من كل حدب وصوب، ولا يتوقف منحى الاضطراب عن التصاعد فيها.. نسبر أغوار الفوضى ونغوص ولا نصطاد سوى ضغوطات سامة غير صالحة للاستهلاك .. فكيف نرغب في التمادي واستنباط الأحجار العقيمة من أعماق دواخلنا؟! أحجار لا تزيد الوضع الفوضوي إلا تأزما..
حياتنا.. وللأسف، باتت تظهر للناظر الغريب، كفقص صغير يحوي بداخله عجلة لا تنفك عن الدوران ولا تحصد حبوبا ولا ثمارا.. ونحن نركض خلفها تماما كما يفعل الهامستر الصغير يركض نحو المجهول داخل قفص من حديد! فهل يعقل أن يفكر الحيوان المغلوب المسكين، في أن يفاقم أزمته!! لا أظن.. فكيف نفعل ذلك نحن إذن؟!.
الأمر أشبه ببرميل الزيت المشتعل والذي لا يزيده الماء سوى استشاطة.. هكذا نحن نرتكب في حق حياتنا جرائم شنعاء، فنزيد الطين بلة ونعمق الجراح أكثر ونهوي نحو الهاوية في تحدي صارخ لحقنا في الحياة بسلام وهدوء!!.
أستغرب لمن يقتات على مساوئ بني جلدته.. وأندهش!
أستغرب لمن يركض خلف عيوبهم وينسى أن الكمال للخالق وحده وأن مميزات العبد في عثراته الصغيرة…
أستغرب حقا وبشدة لمن يبحث لهم بكل طاقته عن النقطة السوداء وسط الرقعة الناصعة البيضاء.. ويتغافل عن سواده القاتم الذي أطفأ أنواره كلها ..
رفقا بالقلوب التي تلوح للحياة من بعيد.. والتي لا تدري بأي لحظة تموت..
رفقا بها فالأيام لا تحتمل ضغائن أسوأ من الكآبة التي تعيش…
الموت يخطف كل يوم غصن أخضر من الشجرة العامرة.. ولا غصن أدرى باللاحق خلف الراحل.. فيا ليت الأغصان تستنشق الهواء العليل وتكف عن النظر إلى ما فوق بعضها من قطرات الندى الباردة…!!
فلعل أفقر الأغصان من ارتمى على صديقه بالسوء مُمحصا في هفواته البسيطة.. ولعل أغناها من صان لسانه وصب اهتماماته كلها على جمال الندى الذي يقبل جبينه كل صباح وعلى الصباح الذي يُهدَى إليه كل يوم.
مريم كرودي