فصل المقال فيما بين السبحة واليد من اتصال

 

فصل المقال فيما بين السبحة واليد من اتصال.

حلو الكلام مر الكلام زي الحسام يقطع ما يمر……..

كتب: عبد اللطيف الجوهري

إن المتتبع للمشهد السياسي ، ولطريقة تدبير الشأن العام في بلدنا، سواء من طرف الحكومة أو من موقع المعارضة، سيلاحظ لا محالة مدى حجم الجدل الدائر في الآونة الأخيرة حول بعض القضايا ذات الأهمية الكبرى ووقع مباشر أو غير مباشر على الشعب المغربي بمختلف فئاته وانتماءاتهم.

أهم هذه القضايا قضية العيش الكريم وقدرة المواطن على الاستمرار في الحياة. وقضايا أخرى لا تقل أهمية منها: التعليم، الصحة ، المعاشات المدنية، الريع السياسي ،الأساتذة المتدربين، مدونة الانتخابات، القاضي الهيني، إلى غير ذلك من القضايا الحساسة جدا.

عموما هي قضايا حارقة وتستلزم معالجة آنية من طرف الحكومة، باعتبارها المسؤولة بالرجة الأولى، بالإظافة إلى الجهات الأخرى التي تدعي المصلحة العامة.

معالجة الحكومة تقتضي اعتماد مقاربة تشاركية مع مختلف الهيئات السياسية ،النقابية، الجمعوية وكل مؤسسات الدولة، أو ما يسمى بهيئات الحكامة. الأا أن دوغمائية،و تشبث الحكومة بتصورها وبطريقة معالجتها الإنفرادية، القائمة على الإقصاء، ونبذ كل الآراء والاقتراحات المخالفة لتوجهها ومذهبها، نتج عنها احتقان وغليان باتا يهددان السلم الاجتماعي في كل لحضة وحين.

في كل الدول الديموقراطية، يعتبر الحوار والتواصل آلية لا محيد عنها لحلحلة جميع الملفات، مهما كان حجمها ودرجة تعقيدها، فغياب الحوار يعني بمعنى ما غياب الديموقراطية، وغياب هذه الأخيرة يعني التزمت والدوغمائية والنكوص نحو التخلف والرجعية والظلامية.

لا أريد أن أقول ، ولا اقبل أن يكون مصير بلدنا في هذا المنحى، طالما هناك قوى حية في بلذنا تستشعر خطورة هذا التوجه، وتقاومه بكل ما أوتيت من طاقة وقوة.

غياب حوار اجتماعي حقيقى، مع الفرقاء وممثلي الماجورين، في القطاعين العام والخاص أدى في السنوات الأخيرة إلى خوض إضرابات عامة، واحتجاجات يومية، وما أدراك ما الإضراب العام وتكاليفه على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي أيضا. فضلا عن تكلفة باهظة لا يقدر حجمها إلا من ناضل من اجل تحسين صورة بلذنا في المحيط الإقليمي والدولي، والتي أصبحت الآن محطة انتقاد وتراجع، حيث انهالت علينا مجموعة من التقارير الدولية مصنفة إيانا في مراتب متأخرة ، وأخرها تقرير المنضمات الحقوقية التي سجلت انتكاسة حقوقية، ولما لا والعالم شاهد الأسلوب الهمجي الذي جوبه به الأساتذة المتدربين، كما تابع ايظا طريقة عزل القاضي الهيني المدافع عن استقلالية السلطة القضائية، اظافة إلى تراجعات أخرى لا يسع المقام لذكرها.

يحدث كل هذا ورئيس الحكومة ، ذو الاختصاصات الواسعة، لايزال منشغلا بشبح العفاريت والتماسيح، ومنشغلا بانتقاء قاموس التهكم والاستهزاء والاستفزاز في نفس الآن. صانعا لحكومته أعداء وهميين تارة بأسمائهم وأخرى بالهمز والغمز ، متحديا في الآن ذاته كل من يخالف أفكاره، ولا يحمل في يده سبحة تشبه سبحته، ملوحا بها ومعتقدا أنها هي ملاذه يوم تقوم القيامة. لا اله إلا أنت سبحان مبدل الأحوال، كيف أصبح مصير البشر والشجر والحجر يبد السبحة وخرزاتها .

قضية أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها ، وربما هي من أوحت إلي بكتابة هذه السطور المبعثرة، إنها مسالة الأرقام والأعداد والنسب، والتي لم تنجو بدورها – في مشهد سوريالي- من المضاربة والعصا والهراوات والتعسف والتبخيس ، في الحقيقة ظاهرة ليست بجديدة في مشهدنا ، بل هذه المرة نالت حصة الأسد من التبخيس والانتقاص من حجمها الحقيقي، بيت القصيد هو النقاش الذي بدأ حول مراجعة القوانين الانتخابية وأساسا مسألة العتبة، فهناك من حاول الصعود بهذه الأرقام إلى أعلى مراتبها ن وهناك من حاول النزول بها إلى أدنى مستوياتها، ولكل غايته المفيدة. فرئيس الحكومة وبحكم الوهم الذي ينتابه بدعوى انه يملك أرقاما قياسية، أهلته فيما مضى إلى منصبه الحالي، يود الرقي بها إلى أبراج السماء لعله يحافظ على

مكانته المرموقة، في حين أن الساحات العمومية، وأعداد المشاركين في الوقفات الاحتجاجية اليومية تقول عكس ذلك. في المقابل نجد بعض الاحزاب تدافع وباستماتة من اجل تقليص العتبة رغبة في المشاركة وتوزيع الغنيمة.

نفس الشيء عشية الإضراب العام الذي دعت إليه المركزيات النقابية، مع ما صاحبه من تبخيس في نسب النجاح بين مؤيد ومعارض لها، حيث ذهبت الحكومة ومن يدور في فلكها إلى تبخيس نسبة المشاركة إلى حد أن وصلت الصفر أو ماتحته في انسجام مع درجة برودة الطقس في الأيام الأخيرة ،وحنى لا تقع الحكومة في تناقض مع الطبيعة، في حين كادت الحركة أن تكون مشلولة في جميع المرافق العمومية والخاصة ، حيث وصلت نسبة المشاركة في الإضراب إلى 84.06 ووصلت 90 في المئة في قطاعات أخرى حسب تصريحات الجهات المنفذة.

عموما وبصريح العبارة، فالضحية الكبرى في هذه المعادلة الغير متساوية ، هي الأرقام البشرية في حد ذاتها ، فالزج بها من أعلى إلى أسفل سافلين، ما جعلها ممزقة ومشردة فارغة من مضمونها ووجودها الحقيقي والطبيعي جراء هذا التراشق من اليمين إلى اليسار الأمر الذي يدعو إلى السؤال لماذا كل هذا التعسف ؟ هل ما نتعرض له نتيجة كوننا أرقام وفقط ؟ ربما الإجابة ستأتي في القادم من الأيام ، حين يقترب موعد الصناديق الزجاجية ، إن لم تغلق هذه المرة بملونات خشبية تحجب الرؤية الحقيقية.

المطلوب في الحقيقة هو انتفاضة هذه الأرقام، وإعلان نفسها أنها ليست مجرد أرقام، يزج بها في صناديق لا تصون كرامتها، وإعلان انتمائها إلى معادلة أسس لبناتها الأولى، علماء الجبر والهندسة، عوض فقهاء “الزردة” والسبحة المزورة. لأن في الحياة هناك ما يستحق البقاء . رحم الله شاعر القضية محمود درويش عندما قال : على هذه الأرض هناك ما يستحق البقاء.

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً