كوارث قوم عند قوم مكاسب



كوارث قوم عند قوم مكاسب

 


فشل انتفاضة 25 يناير للشعب المصري وتعرض الشعب الفلسطيني في غزة لإبادة الآلة العسكرية الإسرائيلية لا يصح أن تتحولا إلى مناسبة لترويج البضاعة السياسية أو الإديولوجية إن من جهة الأخلاق الإنسانية العامة أو من جهة الأخلاق السياسية ، وإذا كان ولا بد من الحديث عن هاتين القضيتين فإنه من المروأة احترام جراح الآخرين على الأقل بعدم زجها في الصراع المذهبي والسياسي المحلي . إن النتائج الصادمة التي انتهت إليها تضحيات الأشقاء المصريين إبان ملحمة ساحة التحرير والمجازر الهمجية التي ترتكب الآن في حق إخواننا الفلسطينيين ليست مقياسا ولا معيارا ولا دليلا على مصداقية تصور وسفاهة تصور آخر ؛ إن الذي حدث في مصر والذي يحدث اليوم في فلسطين يجب أن يكون موضوع تحليل مترفع عن الإصطفافات وأن لا يسقط في مستنقع الرداءة والضحالة .

من يريد تلميع واجهته عليه أن يبحث عن ما يصلح لذلك في قضايا وطنه وشعبه لا في مآسي الآخرين وكوارثهم ، فالمغرب ليس نعيما ولا فردوسا وأحوال المغاربة ليست أفضل من أحوال المصريين والفلسطينيين ، الكل يسبح في بحر واحد والأمواج فقط هي المختلفة . أصوات منتمية إلى الإسلام السياسي بالمغرب جعلت من انتكاسة الإنتفاضة المصرية ومن الحرب على غزة فرصة للإستفراغ والترغي ، وتفتحت شهيتها لتسويق منتوج الإسلام السياسي وكأنه الحل لمن لا حل له ، هذه الأصوات تدحرجت في سلم التدني إلى مستوى نسيت أنها تخاطب جمهورا ذكيا لا ينزلق تحت تأثير العاطفة بسهولة إلى الإقتناع بالمادة الإعلامية الأصولية . فضاء التواصل الإجتماعي الإلكتروني تعج بهذه الأصوات ويبدو أنها مجندة تجنيدا محسوبا للإجتياح والتأثير في الرأي العام فأصيبت بالهوس والهذيان ولم تعد تقيم وزنا لمضامين ما تنشر من أنباء وصور وفيديوهات .

فوز الإخوان المسلمين في الإنتخابات بعد انتفاضة الشعب المصري لا يعد فوزا للإسلام السياسي ولا يعد علامة على نجاح تلك الإنتفاضة وليس أيضا ثمرة من ثمراتها ، كما أن عودة نظام مبارك من النافذة في 30 يونيو بعدما خرج من الباب في 25 يناير لا يعد تصحيحا لمسار “الثورة” ؛ كلا الطرفان استغلا الفراغ السياسي الذي كان يعرفه الشارع المصري نتيجة عقود من الإطهاد والإستبداد السياسي الذي مارسه الحزب الوطني ، والدليل على هذا هو نتيجة الإقتراع التي تقاسم فيها الطرفان أصوات الناخبين بالتساوي تقريبا . انتفاضة ساحة التحرير فريسة وزعها الإثنان بينهما : الإخوان ونظام مبارك لأنهما الوحيدان اللذان كانا مهيئين لاستثمار مجهود الشباب المصري الذي قدم هذه الوليمة على طبق من ذهب بعدما كان يصرح في الشارع للإعلام أنه شباب غير مُسيس ولا علاقة له بالسياسة ولا بالأحزاب دون أن يعي أنه بذلك يفسح المجال للصقور المتربصة بالإنتفاضة ويعطي الضوء الأخضر لمن يريد اقتناص هذه الفرصة بأن يتفضل معززا مكرما ، وذات الأمر حدث مع شباب العشرين من فبراير في المغرب ؛ إن السبب المباشر لفشل التجربة المصرية هو عزوف الشباب عن العمل الحزبي والإنتماء السياسي وتورط الكثير من رموزه في الفساد داخل إطارات المجتمع المدني الذي استفاذ من التمويلات الأجنبية واستحلى السخاء الأمريكي ، أما القول بأن الإنقلاب على الشرعية هو سبب ذلك الفشل كما تذهب إلى ذلك قراءات الإسلام السياسي فإنه مجرد تعصب إديولوجي ليس إلا ، فالشرعية لم تكن قد تأسست بعد لأنها اغتصبت أثناء القرار المتسرع لإجراء الإنتخابات ، علاوة على أن مفهوم الشرعية لا ينبع من الصندوق.

والحرب التي تشنها إسرائيل الآَن على غزة هي حرب على خط المقاومة التي يتبناه جزء كبير من الشعب الفلسطيني وعدد مماثل من فصائله وليست حربا على حركة الإسلام السياسي ، إن الخلط بين هاتين المسألتين جريمة في حق القضية الفلسطينية برمتها وتشويه لواقع الصراع العربي الإسرائيلي وتاريخه . الشعب الفلسطيني وككل شعوب الأرض التي عاشت تحت الإحتلال منقسم في خياراته ، ففيه من آمن بالخيار السلمي ومسار المفاوضات وفيه من يتشبث بخيار المقاومة المسلحة كأسلوب فعال لإجبار إسرائيل على الإذعان للمطالب الفلسطينية ، وكل من ينحاز إلى الخيار الثاني تضعه إسرائيل في خانة الإرهاب ومن ثم تعتبره هدفا عسكريا مشروعا ؛ غاية الكيان الصهيوني هي حشر القضية الفلسطينية في مسلسل المفاوضات اللامنتهي وإسكات صوت المقاومة إلى الأبد وهذا بدوره ما تصبو إليه الأنظمة العربية ، المجاورة منها والبعيدة ، وهنا أيضا تلتقي المصالح وتحبك المؤامرات على شعب فلسطين . مسار المقاومة مسار شعب وليس مسار حركة كما يحلو لبعض الأصوات تصوير ذلك ، هذا المسار لم يبدأ بالأمس ، ولم تبدأه حركات الإسلام السياسي بل بدأ مع بداية قضية شعب يناضل من أجل تقرير مصيره ، صحيح أن “حماس” تجسد حاليا خيار المقاومة ، هذا أمر لا أحد يجادل فيه ، لكن أن تكون “حماس” مرادفا للمقاومة الفلسطينية فإن في ذلك تزوير للمعطيات التاريخية واستغلال فاضح ودنيئ لدماء آلاف الشهداء لفائدة مصالح إديولوجية وسياسية من طرف من يصطاد في المياه العكرة ، فليست لوحدها “حماس” من يواجه العدوان على غزة ، لا الآن ولا فيما مضى ، هناك العديد من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية من يملك كتائب مسلحة توجد في الصفوف الأمامية للمعركة وتطلق الصواريخ نحو معاقل الصهاينة .

الإرتزاق السياسي هو أقبح أنواع الأمراض يمكن أن تصيب الإنسان ، كما أن الهرولة نحو الكسب الإديولوجي ضلالٌ إديولوجي ، وإن أشد أنواع الضلال هو الضلال الإديولوجي .


فـؤاد أجَـحَـا . شفشاون في يوليوز2014.

ajaha.fouad@hotmail.com

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً