كيف تُصارع الحياة؟

كيف تُصارع الحياة؟



إن ما يفتح باب التساؤلات عندي هو التناقض الذي نعيشه كبشر وكم المفارقات الاجتماعية التي تطبع حياتنا.


فكلما دخلت المستشفى لزيارة أحدهم أتوه وسط القلوب المتشبتة بالحياة والأيادي التي ترفع دعاء للخروج من دائرة تكاد تلامس الرحيل … هناك فقط أتمكن من قياس قيمة الصحة وثقلها وأهمية ما نستصغره ونحن خارج ذاك المبنى..، أو بالأحرى أستطيع أن أفهم أن اللحظات التي نعيشها هي بمثابة حلم ثمين لدى العديد من الأشخاص وأن الأوقات التي نمضيها ونحن نتذمر لأننا لا نتملك شيئا من الأشياء هي أغلى من أي أمنية بئيسة نهلوس بها.


في المقابل، أو في الجهة الموازية لهته الحسرة، يضع العديد منا حدا لحياته بسهولة … فتتوالى على مسامعنا المآسي شنقا ورميا وقطعا للشرايين وكأن الأمر سهلا جدا وكأن لا شيء يستحق المجازفة والتحدي وكأن الحياة لا قيمة لها أمام ما نحلم به من ماديات.


لا زلت أتذكر أحد البرامج الغربية التي كانت تذاع مترجمة على إحدى القنوات العربية وكانت تحكي قصص أناس قرروا الانتحار وتعيد تمثيل لحظات رحيلهم بالتفاصيل الدقيقة … كنت وقتها لا أزال فتاة صغيرة حالمة بالمستقبل تظن أن الأمر لا يمكنه أن يحصل بيننا وفي مجتمعنا … خصوصا وأني لم أسمع بهكذا واقعة حدثت بالقرب مني وفي محيطي وسطا وحيا ومدينة … كنت أظن أن الأمر يشبه المسلسلات لا ترى إلا في التلفزة ولا يقرأ عنها إلا في الصحف والمجلات التي تنشر أخبار الضفة الأخرى من العالم، كان الأمر غريبا بالنسبة لي وكنت أؤمن أن الحياة التي نعيشها تؤثثها أحلام عدة وأمنيات كثيرة وأننا نعيش كي نترك أثرا وبصمة خلفنا قبل أن نرحل (بشكل طبيعي) وأنه يتوجب علينا إحكام قبضتنا بالحياة مادامت بين أيدينا … لكن سرعان ما وصلتنا العدوى وصارت الانتحارات ترعبنا، تتوسع بشكل رهيب جدا بيننا، بل صار الأمر أشبه بكبسة زر يلامسها الشخص ليطفأ النور عن حياته بسلاسة … يا ترى ما السبب؟ وكيف يمكن لشخص يصارع الموت من أجل الحياة وكيف يمكن لآخر يصارع الحياة من أجل الموت؟

 

أظن أن الأمر يرتبط بالقناعة ربما والرضى كذلك، لو كان كل انسان على وجه البسيطة يستيقظ كل صباح ممتنا بما له وما لديه ما كان سيفكر للحظة في الرحيل، لو أحصينا عدد النعم التي نملكها لخجلنا من أن نقطع أخر حبل يربطنا بالدنيا، الطعام الذي نتذمر منه حلم لكل جائع، الحيطان التي نختبئ بداخلها حلم لكل متشرد، الأحبة التي تعيش معنا ومن أجلنا … الأثواب التي تدفئنا … حتى النور الذي نتمتع به حلم للكثير ممن حرموا من الرؤية … فلماذا يتسرب اليأس إلينا يا ترى؟


يقول أحد الشعراء:


تقنع بالكفاف تعش رخيا
ولا تبغ الفضول من الكفاف

ففي خبز القفار بغير أدم
وفي ماء القراح غنى وكاف

وفي الثوب المرقع ما يغطى
به من كل عري وانكشاف

وكل تزين بالمرء زين
وأزينه التزين بالعفاف

 

مريم كرودي/الشاون بريس

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً