لمحة تعريفية عن شفشاون
إن مدينة شفشاون من المدن المغربية القليلة التي تبدو قامتها طويلة بالرغم من صغر حجمها، ويتأكد هذا الطول بمطالعة تاريخها ومراجعة حاضرها، بحيث تصعب الإحاطة بها من خلال المختصرات والعموميات، ولا زالت تنتظر عملا علميا شاملا في مستوى قامتها.
لكننا في هذا الكتاب، وبالرغم من إدراكنا لهذه الحقيقة، أكرهتنا “سيدة الجبل” على لف ثيابها، وإبرازها للقارئ والزوار في ثوب قصير، إكراما لعشاقها الذين يحجون إليها في كل الفصول وخاصة في الصيف والربيع، ومن كل الأمصار. ومثل هذا العمل لا يخلو من مغامرة، ولا تؤمن عواقبه، فإذا لم نتسلح بالحذر، ونرسمها بالألوان التي تحب، قد تتنكر لنا وتقول بصوت عال: [لست أنا التي تتحدث عنها… إنك تتحدث عن الخيال والظلال..، أما الحقيقة فهي وراءك أو أمامك].
نطمح في هذا العمل إلى تقديم شفشاون للقارئ بأسلوب سلس ومركب، يجمع بين خصوصيات التاريخ ومعطيات الحاضر، ففي الفقرات الأولى سنسافر بالقارئ إلى عوالم الماضي، حيث ظروف التأسيس وأهم الأحداث التي مرت بها المدينة، ثم بعد ذلك- وفي فقرات أخرى- سنرحل به في دروب حاضرها بأبعاده المختلفة الفنية والعمرانية والثقافية والاجتماعية، بصورة تسمح للقارئ تذوق الخصوصية الثقافية والتاريخية للمدينة دون عناء.
إن مثل هذا الاختيار أكرهنا على ممارسة قدر من الانتقائية في التعامل ع معطيات الموضوع، إذ الرغبة في ذكر كل شيء في مثل هذه المناسبة ومع هذه الغاية معناها عدم ذكر أي شيء، وقد حكمنا في عملية الانتقاء هاته طائفة من المعايير، من أبرزها أن يكون العنصر المنتقي معبرا عن الخصوصية الشفشاونية في مجال ما، ومن ثم ما قد يلاحظه البعض من أمارات التقصير، أو ضعف الإحاطة بتلابيب الموضوع، سببه المنهج الانتقائي المعتمد.
وعموما، إن خاصية الانتقائية في التعامل مع المعطيات، ومسألة المعاصرة أي معالجة أحداث قريبة منا وفي محيطنا تؤثران على درجة الموضوعية في هذا العمل، فالاقتراب من الحاضر بتعقيداته المختلفة، وحساسياته المتباينة يوقع الكاتب حتما في قدر من التحيز، وبعض أشكال التغافل، والذي يزيد الأمر تعقيدا هو الطبيعة “التثقيفية” العامة لهذا الكتاب، الذي بالرغم من إفادته من الروح الأكاديمية، فإنه لا يتقيد بقيودها جملة وتفصيلا، ومهما يكن فقد حاولنا جهدنا التزام الموضوعية حيثما أتيحت لنا فرصة ذلك.
منشورات الجمعية المغربية للثقافة الأندلسية
العنوان “شفشاون قديسة الجبل”
للدكتور امحمد جبرون (طبعة ثانية 2017)
الشاون بريس/يتبع…