محمد البقالي..من دروب وزان إلى عوالم الجزيرة في تونس والسودان
من وزان كانت البداية حيث وُلِد، و بين دروبها لعب، و ترعرع و نشأ، ومنها كان مساره و بدأ، وقد خط لنفسه مسارا إعلاميا لم يكن مفروشا بالورود بل بالإصرار و التحدي كان موسوما إلى أبعد الحدود، ذاك هو الإعلامي المغربي محمد البقالي.
البقالي..بداية الحلم
وقد آثر البقالي ذات صباح من خريف سنة 1998، وداع نسيم وزان و حقول أشجار الزيتون، بعزم و رباطة جأش لا تكل، زاده شهادة بكالوريا في العلوم الرياضية، و سلاحه الأمل، وقد شدَّ الرحال صوب مدينة الرباط، و فيها تخرج صحافيا من المعهد العالي للإعلام و الاتصال بعد أربع سنوات من الدراسة الأكاديمية و قد اشتدَّ عود قلمه دراسة و تكوينا.
لم يكن البقالي ممن تستهويهم “دار البريهي” من أترابه و أقرانه من الوافدين الجدد على عالم الصحافة و الإعلام، بل يَمَّمَ شطر وكالة المغرب العربي للأنباء حيث للحرف و الكلمة ميزان، و يخط الحرف بِحُسْبَان، و منها قادته بوصلة البحث عن الذات صوب صحيفة “القدس العربي” اللندنية الذائعة الصيت، ومنها إلى قناة “الجزيرة” القطرية الأكثر انتشارا حيث يرفع ” الرأي و الرأي الآخر”، شعارا وفيها كان المستقر، حيث عمل مراسلا للقناة بمكتب الجزيرة بالرباط قبل إغلاقه.
البقالي..و عالم الجزيرة
شكل ولوج محمد البقالي عالم “الجزيرة” نقطة تحول حقيقية في مسار البقالي المهني و قد خاض غمار تجربة جديدة انطلقت في السودان، و جنوبه، إبان التقسيم و لم تنته في تونس مع ثورة الياسمين و الأحداث في ليبيا، و قد كان عينا للمشاهد العربي على الأحداث في أتون “الثورة”، و التحولات التي ما لبثت تحياها المنطقة العربية إبان الربيع العربي، و قد رأى العالم “من زاوية الشاهد عوض زاوية المتابع من بعيد”، بدءا من انقسام السودان، وذاك جرح عميق في خاصرة العالم العربي لم ينتبه إليه كثيرون، و في السودان كما في جنوبه حيث كانت التجربة غنية وصادمة في الآن ذاته.
السودان..سفر عبر الزمن
يعتبر البقالي تغطيته للأحداث في السودان كانت تجربة غنية لأن السفر إلى جنوب السودان أشبه ما يكون بالسفر عبر الزمن، فكل مقاييس الزمن الحاضر تنتفي أو تتراجع إلى حدودها الدنيا إن على مستوى العمران أو على مستوى البنيات الاجتماعية أو أنماط الحياة المختلفة: أرض عذراء ببنية تحتية ضعيفة وعلاقات اجتماعية تحكمها تقاليد لم تتغير منذ مئات السنين، وظروف حياة قاسية جدا لا تمنع الناس من مواصلة الحياة رغم كل شيء، كما يصف البقالي في إحدى مقابلاته.
تونس..طيف ياسمين
أما في تونس فيرى البقالي أن الفرصة كانت سانحة لمتابعة تطورات الثورة في مهد الربيع العربي و ثورة الياسمين، والتحولات غير المسبوقة في هذا البلد، والمهم في هذه المتابعة ليس فقط الأحداث السياسية الكبرى، بل التفاصيل الصغيرة: كيف أثرت الثورة على حياة الناس؟ على رؤيتهم للأشياء؟ ماذا يقع عندما يصبح الإنسان حرا في قوله وفعله؟ كيف يعيش الناس تفاصيل الانتقال من مرحلة الدكتاتورية إلى مرحلة الحرية؟.
في تونس أيضا تكتشف بوضوح بحسب البقالي دائما أكبر بشاعة الأنظمة العربية وقدرتها على التزوير والكذب، فصورة البلد المزدهر اقتصاديا تبين زيفها بمجرد قيام الثورة، تبين أن هناك تونس المركز ومدن الساحل، و تونس أخرى مختلفة تماما تشمل الأرياف ومدن الداخل: سيدي بوزيد، وتالة والقصرين والشمال الغربي… وبينهما فوارق تكاد تجعل الزائر يجزم بأن الأمر لا يتعلق بنفس البلد.
الحرب..تُعَاشُ ولا توصف
و يؤكد البقالي على أن تجربته في تغطية الحرب تجربة نفسية عميقة لها ما بعدها، أشبه ما تكون بالتجربة الصوفية تُعَاشُ ولا توصف.
كما أن الحرب أيضاً باغلنسبة إليه مأساة، مأساة الموت، مأساة الخراب، مأساة اللجوء، مأساة المفقودين، مأساة الجرحى، واليتامى والثكالى والأرامل… ولذلك صدق من قال: ما من شيء جميل في الحرب غير توقفها.
الإعلام في المغرب..و القفزة
و عن رؤية البقالي للإعلام في بلده الأم يرى ابن وزان أن المغرب كما في بقية بلدان العالم، يمكن أن نتحدث عن حضور قوي ومتطلع للمستقبل تسجله الصحافة الإلكترونية، فقد حققت هذه الصحافة حضورا كبيرا في الساحة الإعلامية، وغدت رقما أساسيا في المشهد الإعلامي لا يمكن تجاوزه بحال، سواء على مستوى المقروئية أو على مستوى التأثير في الرأي العام كما في صانع القرار.
وقوة الصحافة الإلكترونية مرتبطة أساسا بالتوجه الكوني نحو التكنولوجيا الحديثة، وأيضا بمجانيتها، وبسرعتها وبإتاحتها للقراء فرصة التفاعل. فأحيانا يصبح المقال أقل أهمية من الردود التي ترد عليه من القراء، (وإن كانت كثير من الردود غير بريئة وإنما تابعة لجهات معينة يهمهما توجيه الردود في اتجاه محدد، كما سنرى في بعض أو ربما كثير من التعليقات التي سترد على هذا الحوار).
لكن لا يمكن أن نتحدث عن الصحافة الإلكترونية بصيغة المفرد، هناك صحف إليكترونية حققت قفزة حقيقية وإضافة نوعية للمشهد الإعلامي، وهناك صحف تشكل حجر عثرة في طريق تطور هذا المشهد بسبب عدم حرفيتها وسقوطها المدوي في أخلاقيات المهنة، قال البقالي ذات يوم.
يوسف الحايك/بريس تطوان