الشاون بريس
في ندوة علمية نظمتها جماعة شفشاون بشراكة مع عمالة الإقليم، تحت عنوان “التاريخ والثقافة الأندلسية بشمال المغرب”، ألقى الباحث والمنتج الهولندي المسلم طارق لويستاين، مداخلة مؤثرة حول مشروعه التوثيقي “أبناء الأندلس”، الذي يسعى من خلاله إلى إعادة إحياء الذاكرة الجماعية لأحفاد الأندلسيين المهجّرين.
لويستاين، مؤلف كتاب “أبناء الأندلس”، أوضح أن مشروعه نابع من قناعة شخصية راسخة بضرورة الحفاظ على تراث طاله الإهمال والنسيان، مشيرًا إلى أن انطلاقته بدأت من سؤال بسيط لكنه عميق: “فين هم وشنو لهم؟”، في إشارة إلى مصير الأندلسيين الذين طُردوا من إسبانيا سنة 1610، وتوزعوا بين المغرب وبلدان مغاربية أخرى.
وأضاف المتحدث أنه بدأ رحلة بحثه بالتواصل مع عدد من العائلات التي يُعتقد أنها من أصول أندلسية، مستفيدًا من وسائل الاتصال الحديثة لإعادة رسم خريطة الشتات، متوقفًا عند ندرة الشهادات الحية بسبب تقدم العمر بمن تبقى من الجيل الذي يحتفظ بذاكرة شفوية حول هذه المرحلة التاريخية.
ومن بين المفاجآت التي كشف عنها، وجود عائلات لا تزال تحافظ على نقاء سلالتها من خلال الزواج الداخلي، وبعضها يمتلك شجرات نسب موثقة تعود إلى أوائل القرن السابع عشر، وهي تعيش في قرى نائية ومعزولة، ممزقة بين إرث الماضي ومتغيرات الحاضر.
وفي وصفه لمدينة شفشاون، أطلق لويستاين عليها لقب “غرناطة الصغيرة”، مشيرًا إلى أن بصمة الأندلسيين لا تزال حاضرة في هندستها، وعاداتها، ولهجة ساكنتها، رغم جهل كثيرين بتفاصيل تاريخ أجدادهم. وقال: “كاينين ناس كتقول هاد الشي ما بقى عندو قيمة، ولكن فاش كتفتح النقاش كيبداو يحكيو بزاف على هاد الذاكرة”.
وتوقف الباحث عند المفارقة المرتبطة بقرار الحكومة الإسبانية عام 2015، الذي منح اليهود السفارديم المهجّرين الجنسية الإسبانية، بينما استُثني أحفاد المسلمين الأندلسيين من أي اعتراف مماثل، رغم تعرضهم للطرد والحرمان من ممتلكاتهم وهويتهم.
وختم لويستاين مداخلته بالتأكيد على أن مشروع “أبناء الأندلس” ليس مجرد بحث أكاديمي، بل هو دعوة صادقة لإحياء ذاكرة جماعية مهددة بالاندثار، ومدّ جسور جديدة بين الماضي والحاضر، وبين ضفتي المتوسط. كما عبّر عن رغبته في التعاون مع المؤسسات المغربية المهتمة بالتراث الأندلسي من أجل إنجاح هذا الورش الإنساني والثقافي المهم.