الجامع الأعظم بحاضرة شفشاون العريقة- الحلقة الأولى-

 الدكتور مصطفى مختار/باحث بمركز علم وعمران

أثثت المساجدُ حاضرةَ شفشاون. وأسهمت في تنظيم المجال العلمي والاجتماعي بها، ابتداء من القرن 9 الهجري [1]. ومن بينها المسجد الجامع (الأعظم- الكبير) الذي يبدو أن المولى علي ابن راشد أسس نواته، بقصبته الشهيرة [2]، موضع  حومة السويقة حاليا [3]، في مرتفع مطل عليها [4]، دال على مركزيته الحضرية. ويظهر أن ابنه سيدي محمد ابن راشد قام بتوسيعه، خلال القرن 10 الهجري [5].

 ومهما يكن الأمر، فقد قسم الجامع إلى قسمين قاعة صلاة وصحن [6]. أما قاعة الصلاة، فتتكون من أربعة بلاطات عرضية من الجنوب إلى الشمال تختلف عن بعضها البعض في الطول والعرض [7] سقفت بالقرميد الأحمر، واعتمدت على أساطين تربط بينها عقود من نصف دائرة متجاورة بعض الشيء [8].

 وجُعل لهذا الجامع أبواب أربعة موزعة على الجهات الأربع [9]. منها الباب الجنوبي أو باب المدرسة المؤدي إلى صحن المدرسة المجاورة للجامع التي أسسها المولى محمد بن راشد [10]. ومنها الباب الشمالي أو باب الوضوء المؤدي إلى مكان الوضوء. وهو يقابل باب القصبة [11]. ومنها الباب الشرقي أو باب الجنائز الذي يؤدي إلى صحن واسع تتخلله أشجار النارنج. ويبدو أنه الصحن الذي به نافورة [12]. ومنها الباب الكبير الغربي أو باب الحمراء المطل على ساحة وطا الحمام يصعد إليه عبر درج [13]. وقرب الباب الأخير إلى جهة الجنوب بنى سيدي محمد ابن راشد صومعة صغيرة [14].

 وقام القاضي سيدي أحمد بن علي العلمي الشفشاوني، استئذانا من السلطان، بتوسيع الجامع جهة الشرق، في الصحن القديم، بإضافة أربعة بلاطات عريضة، مختلفة بعضها عن بعض طولا وعرضا، موازية لجدار القبلة، وأطول من البلاطات السابقة، وعقودها أوسع عرضا، وأكثر ارتفاعا. منها عقود رائعة فنيا تتقاطع البلاطَ الأخير المحاذي للجدار المذكور من المحراب إلى الجنوب. وأضيف إلى الكل صحن جديد غير القديم، ممتد على الجدار الشرقي في نحو 18 م على 12 م [15].

 وجُعل في الجدار الشرقي بابان. أولهما يمينَ المحراب يدلف منه إلى المقصورة [16]. وثانيهما يسارَ المحراب يؤدي إلى الصحن. وأما الجدار الشمالي، فيتوسطه باب مصلى النساء الذي أغلق فيما بعد. وبنيت الجدارن بالطابية. وسُقف الجامع بالقرميد الأحمر. وجُعل تحته الخشب المنجور المزخرف [17].

 وخلال ولاية القائد عبد القادر البردون البوفراحي، “صُنع منبر كبير للجامع، وثريا خشبية على شكل هرمي، عُلقت أمام المحراب، وكُتب على لوحة بالدرج الأخير من المنبر: (الحمد لله صنع هذا المنبر السعيد سنة 1098 هـ)” [18].

 وفي أيام الناظر محمد بن قاسم شهبون بعد بيعه بعض حوانيت الحبس، بالسويقة، بنى المعلم محمد العاقل الأندلسي مكان الصومعة القديمة صومعة الجامع الجميلة المغربية الأندلسية التي قاعدتها مربعة. وحين توازي سقف الجامع في نحو ستة أمتار تصبح مثمنة الأضلاع. بجدرانها فتحات ضيقة من أجل الإضاءة [19].

 وممن كان يصعد إليها مؤذن الجامع الأعظم، سيدي الحاج أحمد بن محمد بن الأمين العلمي الشفشاوني، دفين الرّحبة المرصّفة فوق السوق [20]، وسيدي علال بن تحايكت، دفين روضة المولى عبد الرحمان الشريف [21].

 وفي وسط حائط الصومعة إلى الجنوب، بُني في الطابق الأعلى من المدرسة أو المديرسة بيت المؤقت به عدة ساعات. وممن كان يجلس به العلامة عبد السلام بن محمد احرازم، مؤقت الجامع الأعظم بشفشاون [22]، والذي كان يصعد إلى سطح الجامع للنظر في ميقاتية رخامية هناك [23].

 وفي نهاية الصومعة شرفات. وفي أعلى سطحها صارٍ في نحو خمسة أمتار، مثمن مثلها. به عمود من حديد تعلق به الرايات المعروفة [24]. وخلال عام 1255 هـ أُصلحت مراحيض الجامع باستعمال قواديس تلقي بمياهها إلى خارجه [25].

 وفي سنة 1350 هـ حدثت إصلاحات هامة خصت الجامع الأعظم. وكُتب على بابه الكبير “الحمد لله قام بإصلاح هذا المسجد باشا المدينة الشريف عبد الوافي البقالي في عهد الخليفة الحسن بن المهدي في رمضان عام 1350 هـ” [26].

 وجُدد تنميق منبر الجامع عام 1351 هـ [27]. وفي إصلاح أخير سُدّ باب مصلى النساء. وجُعلت مكانه خصة. واقتطِع المصلى نفسهُ من الجامع، وجُعل حانوتَ إسكافي. وخُصص لصلاة النساء النصفُ الشمالي من البلاط الأول، بوضع حاجز خشبي [28].

يتبع…

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً