رحلة إلى مدينة شفشاون

هل لهذه المدينة شبيه؟

وإذ أجيب، فأقول: لا، ثم أُبيّن لماذا كانت إجابتي نفيا؛ بأن أكون قد تساءلت بيني وبين نفسي: «في أي اتجاه من الاتجاهات الجغرافية توجد مدينة شفشاون المغربية، وأي طريق ممهد من الطرق يوصلك إليها؟»، فأتخيل أحدا ينطق في أذني إجابة عن ذَينِك السؤالين، فيقول: «لن تطرق أبواب مدينة الجبل تلك إلا أن تجتاز أودية عميقة، وسفوح جبال وعرة، وقمما صخرية عالية تنحبس لها أنفاسك، وإن اخترقها -وبصعوبة بالغة- ممر أسفلتي ممتد، وعريض إلى حد ما، إذ لم تستسلم له تلك الأشكال التضاريسية، ذلك أنها فرضت عليه منعرجات ومنحدرات قاتلة، فالسائق كله حذر، والسيارة كلها قطع فولاذية تتمفصل، وصفائح أسطوانات تكبح العجلات المنتفلتة بجنون، والذي لا يُجادَل فيه هو أن -ولسرعة قطع المسافة، وللحظة يفاجئك فيها انعراج ضيق؛ بزاوية خمسة وأربعين درجة- لا بد أن يُنجي الجميعُ التالي أرواح من يركبون العربة: اليد اليسرى القابضة بالمقود، واليد اليمنى الماسكة بناقل درجات السرعة، والرِّجل اليسرى التي تتولى دواسة أسطوانة تبديل درجات المحرك، والرِّجل اليمنى التي فُوّضت لها دواسة الوقود ودواسة المكابح، ولا مفر من أن تجد الرهبة سبيلها إلى القلوب الغير المعتادة على هذه البيئة، فتغدو الطريق همّا وليس سياحة، فقد يتخيل حينئذ أحد من الناس؛ ممن له اطلاع على تجارب أمم أخرى؛ في طرق التفكير والابتكار، وتنفيذ مشاريع هي حل لكل إشكال أو معضلة؛ صورة تثنية طريق؛ بأربعة مسالك؛ كل مسلكين في اتجاه؛ مُعلقة تلك الطريق في الجو؛ ترفعها ساريات عملاقة؛ ضاربة بأساساتها في ضفاف الأودية والسفوح، تنأى بها عن التضرس الوعر والخطِر، وتقليل للوقت، أو مد أرصفة عائمة على بحيرات سد تلي قريب من المدينة؛ ترسو عليها أو تقلع منها طائرات مائية ذات طوافات تنساب بها على الماء، وهذا يتطلب تمويلا كبير المبلغ، وعائدات تغطي النفقات.

سواء قصدت شفشاون من الشمال والشمال الغربي، أو من الجنوب والجنوب الشرقي، فالمنعرجات والمنحدرات هي هي؛ تستوجب من السائق ما قيل سلفا؛ يربطها ذلك الطريق بمدن الشمال الغربي من البلاد؛ كطنجة والقصر الصغير وسبتة المحتلة والفنيدق وتطوان وأصيلا…، وبمدن الجنوب الشرقي؛ كوزان والقصر الكبير وعرباوة ومكناس وفاس وسوق الأربعاء الغرب ومشرع بلقصيري…، وكم من ممرات هي مخلوط من الحصى والقارّ تؤدي إليها، وتختلف في مدى صلاحيتها، فيظل الطريق الذي يربطها بمدينة وزان ومدينة تطوان هو الأنسب، وتجري فيه أشغال يصير بها مزدوجا؛ في كلي الممرين مسلكان يُوجزان وقت قطع المسافة، ويُتيحان التجاوز الذي كان فيه مخاطرة في الطريق ذي الخطوط المتصلة؛ التي لا تسمح بالتجاوز، والخطوط المتقطعة التي تسمح بذلك، وقليل من السائقين في هذا الوطن من يمتثل لقانون السير؛ لعلامات المرور المقننة والمتعارف عليها دوليا؛ منهم من يجهلها، وحسبه أنه يجيد إدارة المقود والدوس برجليه على الـمُسرِّع والكابح، ومنهم من يتجاهلها، والجميع لا يعلم بأن الطريق قد تسحقهم إذا اعتدّوا بأنفسهم، وسولت لهم أنفسهم أن يتمردوا عليها.

كان لهذه الرحلة بالسيارة نقطة وصول طبعا؛ هي شفشاون، ونقطة انطلاق هي مدينة (عرباوة)؛ كانت هذه الأخيرة محطة بعد المرحلة الأولى من هذا السفر من إحدى مدن ساحل المحيط الأطلنتي؛ كانت أيام شد الرحال إلى شفشاون هي الأخيرة من شهر يونيو، وكان الوقت صباحا؛ معتدل الطقس؛ ما تزال قطرات من المطر تنزل خفيفة من حين لآخر، وما يزال المزارعون ينقلون أكوام الحصاد والحصيدة إلى المخازن؛ على ظهور الحمير والبغال وعربات الدواب، وما تزال الحاصدات والدّرّاسات تطُفن في تلك الجهة الفلاحية ممتشقات أمواس جز السنابل الناضجة المصفرة والدّرّاس. تُسمع من حين لآخر من البساتين والحقول شقشقات العصافير، وهديل القُمْري، ونعيق الطيور، وصهيل الأحصنة، ونباح الكلاب، ونهيق الحُمُر؛ قليلا ما ينقل السائق عينيه في مناظر الأرض الطبيعية الرائعة تمتعا، وهو يُمعن نظره في علامات تحديد السرعة والانعطافات، ويدقق في مؤشر السرعة؛ آخذا حذره من أن تقنصه عدسة منظار تجاوز السرعة؛ يكون أحد ممن يلاحقون المخالفين يصوبه في اتجاهه، وكانت رفيقتي في السفر الدنيوي تُنبهني من حين لآخر من جميع ذلك.

لم نعرف للأشجار البرية النابتة في الأودية والسفوح والقمم أسماء؛ إلا المغروس منها كشجرة الزيتون، والمنطقة مشهورة بها، فلا غرو أن نقرأ من وقت لآخر لوحات كُتبت عليها جملة واحدة هي: مَعْصَرة (فلان) للزيتون، وقد وصل ثمن الليتر الواحد من زيت الزيتون في هذا الشهر مائة وخمسين درهما، وما عُرضت ثماره على جانب الطريق كالتين أخضر اللون والبرقوق. والذي يرفع عنك جزع الطريق، ويجعلك تسترجع أنفاسك وارتياحك؛ هو عروش من الحشائش الجافة ذات ظل نُصِبت للتوقف لشاي أو قهوة، وقناطر يجري أسفلها ماء قليل الصبيب، وأنهار، وبنايات قرى وصومعات ومساجد، وأماكن لأسواق أسبوعية، ومحطات وقود المركبات، وأيضا وما يثير فيك الحنين والشوق، ويوقظ فيك فطرة الإيمان بالله عز وجل؛ هو ما قرأناه في لوحة توجيه مستطيلة الشكل؛ بأن في ذلك الاتجاه مدرسة للتعليم العتيق؛ فما أمتع ذلك المكان الذي بُنيت فيه حُجراتها وغرفُها وأروقتُها وممراتها! وما أصلح لطلبتها، وأنسب لهم لحفظ القرآن وتعلم علومه! فهي بعيدة كل البعد عن ضوضاء المدن وصخبها وفتنتها، فلتلك المناظر الطبيعية الخلابة المحيطة بها، والهدوء والسكون؛ حافز على حفظ آيات الكتاب المسطور عن ظهر قلب واستظهاره، وتأمل كتاب الله المنظور، والتفكر في عظمة الخالق، وما يُصادفك، ويجعلك ترجع بتفكيرك إلى فترة زمنية تاريخية؛ تغطي النصف الأول من القرن العشرين، فأوجز عنه معلومات قائلا بأنه مقر الجمارك مهجور؛ يعود تاريخ نشاطه عندما كان المغرب مُقسما بين منطقة الشمال (الخليفية)؛ كانت قد احتلتها إسبانيا في سياق التنافس الإمبريالي في العقد الثاني من القرن العشرين، وفي إطار توافقات ومعاهدات بين الدول الأوروبية الاستعمارية المعروفة، ومنطقة الوسط (السلطانية)؛ كانت قد احتلتها فرنسا كذلك بذلك المنحى السياسي العام، فكانت مهمة تلك البناية هي مراقبة المتنقلين بين المنطقتين وما يحملون، وظل حيث هو معلمة تاريخية شاهدة، هذا عدا لوحات اتجاهات المدن المنصوبة في التقاءات الطرق، وعدد كيلومترات الطرق الموصلة إليها.

ضاربة هي أسوار ومساجد وصومعات وبيوت ومرافق شفشاون في سفح الجبل! ترى سور حماية المدينة القديمة من المغيرين يتسلق الجبل إلى أن يحيط بها، ولم يحُل بين الإنسان وبين الاستقرار في ذلك المكان انحدار الكثلتين الصخريتين الحاد، فالسؤال إذن: ما هو العامل الرئيس في جذب من بنى حيطان شؤونه وحاجاته في ذلك المنحدر؟ في ميمنة المدينة عين ماؤها دائم الجريان؛ يُسمع له خرير قوي؛ اسمها (رأس الماء)؛ أهي التي كانت مورد ماء لا ينضب للشرب وتصبين الملابس والغُسل وغسل جِزز صوف الشياه، وخلط مكونات الصناعة؟ نعم؛ فإلى النبع الذي لا يجف يستكين الإنسان، ويأمن على نفسه؛ منذ متى؟ منذ أن تردد عليه الإنسان في تَرحاله في أزمنة غابرة، ثم في عصور استقراره؛ قال لي أحد يبيع في أحد محلات شفشاون التجارية الأثواب والألبسة الجاهزة؛ بأن أول حرفة عُرفت بها شفشاون هي النسيج؛ فالصوف المغزول والنيلة وغمسهما في ماء (رأس الماء) يُعطيان للخِرقة المنسوجةِ خيوطها الصوفية ألوانا زاهية تُبهر العين، وأيضا العزف، وهذا الأخير يتخذ من أوراق الدوم المجففة، وعيدان القصب مادة لصناعة السِّلال وحقائب اليد والقبعات وبُسط للصلاة والقيلولة، وعُلب لآحتواء الأشياء الدقيقة.

ولهذا العمران الذي توسع -سواء بمدينته القديمة أو الحديثة- على السفوح، أو في الوادي، أو في السفوح المقابلة؛ حيث شُيدت على هذه الأخيرة طُرق واسعة ومنازل عصرية؛ اسم هو (شفشاون)، فماذا يعني؟ وهل كان للمدينة أسماء أخرى سابقة؟

كنت قد سلكت أحد زقاق مدينة شفشان القديمة لاستكشاف ما تحتويه من بناء وناس ومعروضات تجارية، فوجدت مكتبة لبيع الكتب اسمها (مكتبة القاضي بن ميمون)؛ جلست إلى صاحبها، فإذا هو من أسرة أندلسية عريقة، وكان أستاذا بمعهد الموسيقى وينظم الشعر، ومؤلف كتاب (شفشاون لؤلؤة الشمال)؛ أصدره في سنة 2011م؛ اسمه عبد الخالق بن ميمون؛ من المنحدرين من القاضي بن ميمون؛ المعروف بـ(علي بن ميمون الغماري) سيأتي الكلام عنه في ذكر أعلام شفشاون، فأمدني مالك المكتبة هذا بمعلومات تاريخية، فمما قال بأن للمدينة ثلاثة أسماء؛ الأول (أبنوم) وهو اسم روماني، ووجود قنطرة رومانية في (الصبانين) أحد الأحياء القديمة؛ هما دليل على أن رومان العصر القديم استقروا كذلك بالمنطقة، والثاني (مدينة الثعبان)؛ سُميت المدينة بذلك للأحجار الصخرية والغابات الكثيفة الأشجار والنباتات الموجودة بالمكان، والثالث (الشاون)، وهي كلمة بربرية تعني (القرن)؛ قرن تيس أو قرن كبش؛ لشبيه رأسي جبل شفشاون بقَرْنين، ثم أضيف إليها فعل الأمر الدارج في التداول العامّي(شُفْ) أي (أُنظر) في المصادر التاريخية في عهد المغفور له الحسن الثاني، فغدت اسما مركبا من (شُف) و(شاون) أي شفشاون، ومعناها (أُنظر إلى قمم الجبال).

من هو الذي حل بالمكان وأسس نواة توسع عمران شفشاون بالهيئة التي تظهر عليها الآن؟

يقول الأستاذ عبد الخالق بن ميمون بأن المؤسس الحقيقي للمدينة هو الحسن بن محمد الذي عُرف بأبي جُمُعة؛ ينحدر أصله من الشيخ الصوفي عبد السلام بن مشيش (1163م -1228م)؛ من ابن له اسمه )علال(، وقد ورد البعض من هذا الذي ذُكر في كتاب (وصف إفريقيا) الذائع اسم مؤلفه بالليون الإفريقي، وهو الحسن بن محمد الوزان (1488م -1554م)؛ بيد أن البعض يكتب نقلا عن آخرين أن الذي أسس المدينة هو أبو الحسن علي بن راشد العلمي (1440م -1512م)؛ كان ذلك في عام 1471م، والذي يرفع هذا الاختلاف هو عدوتا نهر عين (راس الما)، في العدوة اليمنى كان الأول الذي أقام فيها هو الحسن أبو جمعة، وفي العدوة اليسرى كان من أنشأ القصبة بها هو ابن عمه الأمير أبو الحسن علي بن راشد، لذا كان الأول هو السابق؛ فهو المؤسس الحقيقي للمدينة؛ كان للثاني وهو علي بن راشد ثلاثة أبناء ذُكِروا عند الحديث عن إمارة الرواشد على شفشاون؛ هم ابراهيم ومحمد، وعائشة التي عُرفت فيما بعد بالسيدة الحرة (1485م -1561م)؛ تزوجها أحد من سلالة حكمت مدينة تطوان حملت اسم (المنظري)؛ يختلف البعض فيمن يكون هل سيدي علي المنظري الأول (1440م -1540م)، أم المنظري الثاني؟ بوفاة زوج الست الحرة هذا؛ الذي انجبت معه فقط أنثى اسمها فاطمة، وزواجها من سلطان المغرب في عهد الدولة الوطاسية أبو العباس الوطاسي (؟ -1549م)، أصبحت آمرة على تطوان، لتُصبح نموذج امرأة حاكمة أصل أمها اسبانية أسلمت بعد زواجها من والدها علي بن راشد؛ فسُمّيت بلالا زهرة، هل تبعية المنظريين أصحاب تطوان إلى والدها، ثم أصلها الشريف من جهة عبد السلام من مشيش، وزواجها من سلطان المغرب الوطاسي هو الذي منحها هذه الحظوة في حكم تطوان؟ فتصدت (الست الحرة) هذه للأيبرين (الإسبان والبرتغال) بالنشاط العسكري البحري الذي كان قد ساد في حوض البحر الأبيض المتوسط؛ بعد أن دفع مسيحيو شبه الجزيرة الأيبيرية المسلمينَ إلى مغادرة بلاد الأندلس؛ بشتى الطرق والوسائل المتاحة؛ في إطار حروب استرداد بلاد الأندلس، واحتلال ثغور في ضفة البحر المتوسط الجنوبية، وصدها لهجومهم على بعض مدن شمال المغرب الغربي، وهو (الجهاد البحري)، الذي يُوصف بحق بهذه الجملة، وليس بكلمة (القَرْصنة) المشينة، ولعل هذه من صياغة أقوام ضفة البحر المتوسط الشمالية المسيحية، وقد جاء ذلك على لسان الجهادي البحري (عروج ريس) أخو (خير الدين بربروس ريس)؛ حينما قبض على أمير مدينة (تنس) -تقع هذه المدينة على بعد مائتي كيلومتر غرب العاصمة (الجزائر)- وهو ابن أخ سلطان تلمسان أبو حمو الثالث من البيت الزياني، وكان ممالئا للإسبان -وقد ورد هذا في مذكرات خير الدين بربروس؛ ترجمة عن التركية محمد دراج؛ صدرت عن دار نشر (وسم للمعرفة والثقافة) باسطنبول؛ سنة 2021م- وقال له: «مالك أيها السافل! إن ما فعلته لم يجرؤ أحد من قبلك على فعله، ولن أعير اهتماما بما تُشيعه عني من أني قرصان؛ لا همّ لي إلا قَطْع الطريق في عُرض البحر. أيها الملعون، يا من جعلت نفسك عبدا لسيدك ملك إسبانيا. ألم تعلم أن مَلِكَك هذا قد أعمل السيف في رقاب مئات الآلاف من مسلمي الأندلس؟!! نحن لسنا قراصنة بل مجاهدون نقاتل في سبيل الله ولله الحمد»؛ ثم ضرب عنقه.

كان للسيدة الحرة عسكر بحري يغير بأسطول من المراكب على سفن المسيحيين التجارية في البحر المتوسط، ويعود بغنائم تغدو بها تطوان موسرة، وتُوفر للفقراء ما يجعلهم لا يُلحِفون في السؤال، ويقال أنها تحالفت مع خير الدين بربروس؛ أقوى جهادي بحري سواء في شرق أو في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط؛ في النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي؛ إلى جانب أخيه عروج ريس، ويُعرفان معا بـ(الأخوين بربروس)، وهو الذي كانت إغارته على سواحل إسبانيا وصقلية وإيطاليا؛ إلا عمليات يقوم بها وهو في إحدى رحلاته البحرية إلى أراضي الأناضول؛ لزيارة السلطان العثماني. ولم يكن من سيخلع الست الحرة من حكمها إلا آل المنظري، فهذا محمد الحسن حفيد حاكم تطوان يعلن نفسه حاكما على تطوان، ومستقلا عن الوطاسيين بعد فراره من أحمد الوطاسي، متآمرا في ذلك مع والده وأهل تطوان، فتعود السيدة الحرة إلى شفشاون، لتودي بها المنية عام 1561م، وتُدفن بها.

لقد كان كل من والد السيدة الحرة علي بن راشد باني قصبة شفشاون وأمير المدينة، وسيد علي بن المنظري حاكم تطوان ومُعمّرها، قد جازا مياه البحر المتوسط إلى الشمال الغربي لبلاد المغرب؛ كما عبره قبلهما وبعدهما غرناطيو تطوان واليهود وعائلات أندلسية أخرى، يصدان هجوم البرتغالين والإسبانيين عن مدن الشمال بما يُسعفهم، ويراودهم ربما حلم استرجاع بلاد الأندلس؛ الفردوس المفقود كما يعبر عنه، لذلك سواء حكم تطوان رجل أو امرأة في ذلك التاريخ الفارق، فإن تأسيس إمارات من طرف مسلمي الأندلس بشمال المغرب، وكفاحهم؛ كان بعد أن عبروا بحر زقاق جبل طارق إلى الضفة الجنوبية لحوض المتوسط، ليغدو المسيحيون الصليبيون في موقف هجوم والمسلمون الجهاديون في موقف دفاع، وكان قد رجح ميزان القوة لصالح ملوك أوروبا الغربية في النصف الثاني للقرن الخامس عشر والنصف الأول من القرن السادس عشر الميلاديين، وقد تتالت الأحداث السياسية والعسكرية على شفشاون بعد هذا في العصور التاريخية المتأخرة الثلاثة، وفي المصادر والمراجع التاريخية ما يغني معلومات القارئ.

لم يُخيِّر مرسوم -عُرف تاريخيا بـ(مرسوم الحمراء) -هل نسبته كانت إلى قصر الحمراء بغرناطة- الذي أصدره كل من الملك الإسباني المتدين بمسيحية بابا الفاتيكان فيرناندو الثاني (1452م -1516م)، وزوجته الكاثوليكية هي أيضا الملكة إيزابيلا الأولى (1451م -1504م)؛ فقط المسلمين بين أن يدخلوا في دين المسيحية الكاثوليكية، أو أن يغادروا الأندلس حفاة عراة، بل حتى اليهود، فكانت شفشاون من بين مدن أخرى مستقرا لهؤلاء، وكانوا في الأول في منطقة (واد الفوارات)؛ قريبا من شفشاون؛ ما تزال هناك مقبرة لموتاهم، ولم يكن الذي أدخلهم إلى شفشاون إلا أميرها علي بن راشد؛ لقد كان عسكريا وسياسيا، حيث سكنوا بحيهم (الملاح)؛ قريبا من القصبة. من أسر شفشاون الموريسكية الأندلسية مثلا ولا تُحصَر في هذه الأسماء: الأندلسي ومورسيا وخيرون والسمار وهذه عائلة اشتغلت بالتجارة، والطريس وعفاق، والمشاط وهذه اشتغلت بالصوف؛ كانت قد رحلت إلى فاس، والحضري وتعود أصول هذه إلى حضرموت باليمن، والبيضا.

وقد أشار علي الأستاذ عبد الخالق بن ميمون بالرجوع للتوسع في هذا المجال إلى كتاب (دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر)؛ مؤلفه محمد بن عسكر الشفشاوني (1529م -1578م)، وإلى كتاب الدكتور عبد القادر العافية، اسمه (الحياة السياسية والفكرية لمدينة شفشاون)، وإلى كتاب (شفشاون لؤلؤة الشمال) الذي سبق الحديث عنه.

ليس من الصدف أن يكون من رحم شفشاون علماء برعوا في العلوم الشرعية وغيرها من العلوم الدنيوية، ومؤرخين، وأدباء كانت في أقلامهم سلاسة؛ في الشعر بالدرجة الأولى ثم النثر، فعلى بُعد ستة وثلاثين كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من المدينة؛ أسس القائد العسكري الذي فتح شبه الجزيرة الأيبيرية طارق بن زياد (مختلف في تاريخ ازدياده بين 670م و679م؛ سنة وفاته حوالي 719م) أول مسجد في إفريقيا حمل اسمه؛ في القرن الثامن الميلادي، وبعد مسافة مائة وتسعين كيلومترا اشترت أم البنين فاطمة بنت محمد الفهري القرشي قطعة أرض بنت عليها جامع القرويين في القرن التاسع الميلادي؛ صار نواة لأول جامعة في العالم بلا منازع، لأنه كان له مدرسون علماء، ودروس منتظمة في مختلف العلوم الشرعية والعلوم النظرية، وطلبة، وحاضر فيه أشهر علماء الغرب الإسلامي بلغة القرآن، وبنت بجانبه أختها مريم الفهرية جامع الأندلس؛ أدى نفس الدور؛ إذ لم يكن لمحمد الفهري الميسور إلا هذين البنتين الصالحتين، فلهذا طبعا إشعاع ديني وثقافي إسلامي على شمال المغرب وعلى الأندلس، بالإضافة إلى المستوى التعليمي الحضاري الذي كان للأسر الأندلسية التي هاجرت قسرا من بلاد الأندلس إلى شفشاون، وكان لهذه قصور ورياضات وجوامع وجامعات وعلماء وأدباء، وملوكها وقادتها الذين حكموا بالسيف وأبدعو بالقلم، فالخلوة لطقس الصلاة، وحفظ آيات القرآن، والرقم بالقلم على اللوح، وتدوين ما تجود به القريحة؛ تكون في الجبل، فمن علماء شفشاون الفقيه محمد بن عياد المصري؛ لُقب بـ(المصري)، لأنه دخل إلى مصر في يوم تشييع جنازة المفكر وعالم الدين محمد عبده بن حسن خير الله (1849م -1905م)، مكث هذا العالم الشاوني بمصر مدة خمسة وعشرين عاما؛ تزوج بامرأة مصرية، والعلامة القاضي علي بن ميمون الغماري بن أبي بكر بن علي، ولد بـ(غمارة) بـ(السطيحات) في عام 1450م، ودرس بجامع القرويين بفاس؛ كان قد ولاه علي بن راشد قضاء شفشاون؛ توفي بالشام في سنة 1511م، وكان مدفنه بلبنان الحالي، والعلامة الشيخ محمد أصبان الحسني (1907م -1984م)، وقد نظم الأستاذ عبد الخالق بن ميمون قصيدة بمناسبة ذكرى تأبين هذا الأخير؛ عنوانها (العبقري الفاضل)؛ وهذا مطلعها مع بيتين بعده:

مُنذ عرفناك كنتَ لنا شهْما * ساطِعا مُنيرا بعلمِك الزَّاخِر

منذ عايشْناك كنتَ لنا نجما * نابغا مُنيرا بمجدِك العاطر

فيا بُشرى لمن رآك يوما * تهتِف فوق كل المنابر

من سلاطين المغرب وملوكه الذين شرّفوا شفشاون بالقدوم إليها، وأغلبهم من الدولة العلوية الشريفة؛ أربعة: السلطان الحسن الأول (1836م -1894م)؛ كان قد دخل إلى المدينة عبر الباب الشمالي الغربي والمسمى بـباب (السوق) في 28 غشت 1888م، والملك محمد الخامس (1909م -1961م) كان قد زارها في سنة 1957م، والملك الحسن الثاني (1929م -1999م)؛ كان دخوله إليها في 10 شتنبر 1962م، وزيارة الملك محمد السادس لها كانت في سنة 2006م.

توزعت بيوت مدينة شفشاون العتيقة، ومحلاتها التجارية، ومساجدها على خمسة أحياء؛ أعطيت لها أسماء تُقرب فهمنا إلى حد ما إلى سبب تسميتها بها، ولها سنوات تُؤرخها، وهي كالتالي؛ مُرتّبة من أقدمها إلى أحدثها: السويقة (1471م)، والصبانين (1483م) والخرازين (1483م) والأندلس (1492م) والعُنصر (1502م) والسوق (1541م)، وعرفت المدينة عددا من الهجرات الأندلسية إليها، الأولى بحي الصبانين وحي الخرازين، والثانية بحي الأندلس، والثالثة بحي العُنصر، والرابعة بحي السوق، ولها سبعة أبواب: باب السوق وباب العين، وباب الحمّار وباب المحروق، وباب الهرمون، وباب العنصر، وباب الصبانين، وبها معهدان للتعليم العتيق؛ أحدهما اسمه (معهد المشيشي)؛ نسبة إلى العالم المتصوف عبد السلام بن مشيش، والآخر اسمه (معهد الإمام الشاذلي الديني)؛ نسبة إلى تلميذ عبد السلام بن مشيش الصوفي أبي الحسن الشاذلي (1197م -1258م)؛ دفين وادي (حميثرة) بصحراء عيذاب بمصر. من مساجدها نذكر: المسجد الأعظم؛ بناه محمد بن علي بن راشد، ومسجد (أبو خنشة) بشارع السيدة الحرة، ومسجد ريف الأندلس؛ بناه الأندلسيون، ومسجد مولاي علي بن راشد، ومسجد ريف الصبانين، ومسجد العنصر بشارع الحسن الأول، ومسجد (العاقل) نسبة إلى مؤسسه وهو من أسرة أندلسية، ومسجد باب السوق، ومسجد الحسن الثاني؛ قرب المحكمة؛ أُسس في عام 1975م، ومسجد بدر بشارع مليلية، ومسجد السُنّة بشارع المغرب العربي، ومسجد مولاي عبد الرحمان الشريف، ومسجد ينفرد بتصميم يختلف عن مساجد المغرب المعهودة، فله صمعة وله بناء للصلاة، ولا يؤمه المصلون، وحكايته تزيدنا دهشة، فالذي أمر ببنائه هو حاكم شفشاون العسكري الإسباني (فيراردو كاباس؛ Ferardo Cabas) في سنة 1926م؛ في زمن احتلال المنطقة من طرف الإسبان؛ يطلق عليه سكان المدينة اسم مسجد (أبو العصافير)، أو اسم مسجد (بوزعافر)، ومصدر هذا الإسم الأخير هو أن الحاكم الإسباني كان له (جعافر) بمعنى شاربان طويلان. من مكتبات شفشاون الخاصة التي تبيع الكتب والمجلات والصحف؛ المكتبة الراشدية أسست سنة 1984م، مكتبة القاضي بن ميمون أسسها عبد الخالق بن ميمون سنة 1990م، ومكتبة العرفان، ومكتبة الصالحي بشارع المقاومة، ومكتبة الجيلالي بشارع الحسن الثاني، ومكتبة بن عزوز توجد قرب المحكمة، ومكتبة تامسالة، وغيرها من المكتبات.

لم يكن الاهتمام بشفشاون؛ من ناحية سحر مكانها الطبيعي، وأصل سكانها من الموريسكيين واليهود الذين كانوا مستقرين بها، أو من ناحية كونها كانت قاعدة عسكرية لآنطلاق الجيوش المغربية إلى شن حروب دفاع ضد الإسبان والبرتغال الذين غزوا سواحل المغرب؛ قريب العهد؛ بل يرجع تاريخ أول صورة أخذت للمدينة إلى أواخر النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي رسم بريشة المستكشف والجغرافي الفرنسي (شارل دو فوكو؛ 1850م -1916م؛ Charles de Foucauld)؛ كان قد تنقل فيما بين سنتي 1883م و1884م في بعض مدن المغرب في هيئة يهودي متنكر، وكان دليله الحاخام المستكشف اليهودي (مردوخي أبو سرور)؛ كان هذا الأخير مراسلا للجمعية الجغرافية الباريسية، ولد بمدينة عقا بإقليم طانطان عام 1826م وتوفي بالجزائر في سنة 1886م، دخل (شارل دو فوكو) إلى شفشاون في 3 يوليوز 1883م، ويُظهر رسمه قمتي الجبل الذي بنيت على سفحه شفشاون، وقصبة علي بن راشد العلمي، وبرجها العالي، وأربع صومعات، والبنايات ذات السقوف المائلة، وصورة أخرى للمدينة لا أدري ما إذا كانت هي التي تلي الأولى في الأقدمية، وهي فوتوغرافية باللونين الأبيض والأسود، ويحتاج الإخبار بها هنا إلى البحث عن مُصورها، والأرجح وانطلاقا من حدث تاريخي تعرضه وقع في المدينة؛ حيث تظهر جماعة من سكان المدينة أو المناطق المجاورة بجلاليبهم وعمائمهم البيضاء؛ يتابعون من بعيد أوروبيين بألبستهم وخيول لهم، ولن يكونوا هؤلاء إلا إسبانيين؛ يقفون في ساحة تحيط بها بيوت شفشاون، وعلى يمينهم سور قصبة علي بن راشد المسنن.

كانت تُبنى جُدر شفشاون بالحجر المحلي والتراب مخلوطا بالجير في أول الأمر، ثم أصبحت لبناتها من الياجور الأحمر، يسميه الشفشاونيون بـ(الماسديسو)، وتُسقّف بسقفين مائلين من القرميد الأحمر؛ يشكلان رأسيا مثلثا منفرج الزاوية؛ متلاحمة أبنيتها بحيث تصير كصخر بلوري، وفرض عليها انحدار السفح سلاليم صاعدة نازلة بأعداد من الدرجات. إذا حملتك قدماك وعبرت بهما باب السوق المقوس؛ فستجد نفسك في زقاق تجاري على جانبيه دكاكين تعرض للبيع الأغطية والألحفة والجلابيب الصوفية، وألبسة من نسيج قطني عصري، وتذكارات ورقية ومعدنية، وتحفا فنية منحوتة أو مصبوبة صهارتها؛ اتخذت من كائنات الطبيعة الحية أشكالا. يصل بك هذا الزقاق إلى نبع الماء يسمى بـ(رأس الماء)؛ مقصد الجميع للاستجمام والاسترواح والاسترخاء بصوت خرير الماء الجاري؛ على ضفتيه مِرشات تقذف ماء العين البارد على حبات برتقال جُلبت من منطقة الغرب الخصيبة؛ في انتظار من يطلب كوب عصير منعش، وقد تحلب فمه لحموضة لذيذة في السائل الأصفر مُستساغة، وكانت فيما مضى خمس أرحية على الأقل على طول مجرى عين (رأس الماء)؛ لها أسماء؛ تنتفع من طاقة تيار الماء في تدوير دواليب إحدى الحجرتين؛ لتحويل الحبوب إلى مسحوق الدقيق، وهناك من يقول بأن عددها وصل إلى واحد وعشرين رحى، وأشهرها عند السكان (رحيوة النساء).

يوم معلوم ذاك؛ في شارع أسفلتي؛ يبدأ من باب السوق؛ سواء الذي دخل من هذا الأخير إلى المدينة العتيقة قادما من المدينة الأسمنتية، أو خارجا من تلك متجها إلا هذه، فكليهما تجذبه في فصل الصيف أسطال من التين أخضر اللون، والبرقوق بنفسجي اللون، وقنينات مملوءة عن آخرها باللبن؛ الحليب الممخوض، وزبدة الضروع، والنعناع، ورزم من أعشاب برية عَطِرة مُنسِّمة للشاي، وزيت الزيتون، وخضر الكوسال (الكَرعة خضراء اللون؛ COURGETTE)، واليقطين؛ هذا مما تبيعه نساء قدمن به من حقول وبساتين خارج شفشاون؛ تضع جميعهن على رؤوسهن قبعات عزفية؛ مجدولة بأوراق الدوم الإبرية الشكل والـمُيبّسة؛ مزينة بخيوط صوفية غالبا بالأحمر أو الأخضر، ويئتزرن بقطعة من نسيج صوفي؛ موشىات بخطوط طولية حمراء؛ يُحطن به أنصافهن السفلية؛ إنهن نسوة الجبل الحاذقات المشمرات دائما لأثوابهن للعمل والكد فيه؛ لعل ذلك اليوم هو الخميس؛ السابق للجمعة يوم قراءة القرآن جماعة، والخطبة الوعظية التذكيرية، وصلاة الركعتين، والدعاء بالهناء والشفاء للأحياء، والرحمة والمغفرة للأموات.

في رحلتي هذه في المسافة الجغرافية، وفي فترات شفشاون الزمنية التاريخية؛ آن لي أن أذكر ما لم أُفصح به في البداية، وهو النية الأولى من وراء سفري إلى شفشاون، ويدخل في اهتماماتي الرئيسة، وهو ما إن قرأت بأن معرض الكتاب بجهة (طنجة –تطوان-الحسيمة) سيُنظم في دورته الثانية عشرة في مدينة شفشاون ما بين 27 يونيو و4 يوليوز 2024م؛ تحت شعار: «شفشاون؛ مدارات التاريخ والإبداع»، ونُسبت إلى الشاعر المغربي الشفشاوني عبد الكريم الطبال؛ حتى تحمست إلى أن أكون من بين الزوار المختلفة درجات تلهفهم على الكتاب الثقافي الورقي، ثم شيء آخر وهو ستة من إصداراتي في مجال السرد (روايتان، ومجموعتان قصصيتان، وكتاب يسرد مغامرات غواص…) ستكون من بين الكتب المعروضة، ثم برمجة إلكترونية لحجز تذاكر دخول إلى تمثيلية تاريخية تثير الحنين إلى تاريخ شفشاون؛ يقوم فيها الممثلون بدور علي بن راشد، وبدور الست الحرة، وشخصيات تاريخية أخرى، وبدور جهادي الدولة العثمانية البحري خير الدين بربروس ريس وبحارته، وبأدوار عسكر القصبة؛ بأيديهم نبال وسيوف ودُرق؛ بعمائم وخوذات جلدية على رؤوسهم، وأحزمة يشدون بها أوساطهم، ويحتذون جزمات جلدية طويلة، وستجري مبارزة، ولقاءات رومانسية بين متغزل ومتغزلة، بأقدام حافية يطآن بها في ماء يتدفق على الأرض المبلطة من نافورة مقامة في الوسط، وبيدي المتغزل طائر ببغاء يلاعبه نقلا من يد إلى أخرى، وفتيات يُحطن قدودهن بأزر بيضاء، يشددن أطرافها برؤوسهن، ولا يُبدبن غير عيون واسعة كحيلة يشزرن بها في احتشام، يستدرج البعض منهن بائع أثواب؛ يعرض سلعته في سوق تتالت فيه -على أحد أسوار القصبة- سُقف وأعمدة؛ هي بمثابة دكاكين؛ في البعض منها جرار طينية تحتوي على عسل أو زيت أو زبدة أو سمن مُعتق، وبضائع أخرى، وتؤدي فرقة رقصات على إيقاع موسيقى؛ يرتدي أفرادها أكسية قُرصانية، ويتمنطقون بمشدات حمراء، وتبارز السيدة الحرة أحد الجهاديين البحريين بالسيف، فتهزم سيفه، فيخر هو راكعا وينسحب من أمام أدائها الفذ في مقارعة السيوف، ولم يكن الفضاء المسرحي الذي جرت فيه هذه التمثيلية التاريخية؛ إلا أبهاء وحدائق وساحات قصبة علي بن راشد؛ تعكس دوحاتها وأشجارها ونباتاتها وورودها وأزهارها وأسوارها الطينية؛ الأضواء الكهربائية في مساء ذلك اليوم ألوانا مضيئة.

اِلتقيت بالشاعر عبد الكريم الطبال في رحاب معرض الكتاب، فجمعتني به جلسة حميمية؛ حدثني فيها عن تأسيسه لمجلة أدبية وفكرية وثقافية اسمها (شراع)؛ في يناير 1960م؛ وكانت هيئة تحريرها تتكون من الشعراء والأدباء: محمد شهبون، وعبد القادر العافية، وعبد القادر المجاهد؛ كانت تصدر أربعة مرات في السنة مؤقتا؛ بإمكانيات مادية محدودة؛ تطبعها مطبعة (كريماديس) بحجم 240×170؛ صدر منها خمسة أعداد، وعن أول مهرجان وطني للشعر؛ نظمته (جمعية أصدقاء المعتمد) في سنة 1960م؛ كان الأستاذ عبد الكريم الطبال من أحد المؤسسين لهذه الجمعية، والذي قصدت إليه الجمعية باسم العلم (المعتمد) هو المعتمد بن عباد (1040م -1095م)؛ ثالت وآخر ملوك بني عباد بالأندلس؛ من شعراء شفشاون الآخرين؛ محمد الميموني (1936م -2017م)، وأحمد بنميمون؛ من مواليد سنة 1949م، ومحمد بن يعقوب، وعبد السلام مصباح الشاعر والمترجم عن الإسبانية، والكاتب والشاعر عبد الخالق بن ميمون صاحب (مكتبة القاصي بن ميمون)، وغيرهم من الشعراء.

فما أزخر شفشاون بمناظر طبيعية جبلية، وبآثار عمرانية تاريخية شاهدة، وبألوان بيوتها الزرقاء -وإن كان في حقيقة الأمر كما قال البعض بأن صباغة حيطان شفشاون باللون الأزرق لم تأت إلا فيما بعد- ومساجد وصومعات، ومؤسسات للتعليم العتيق والعصري، ومكتبات، وبأحداث العصور والبطولات التاريخية؛ تجد البحث والتحقيق فيها في كتب التاريخ، وبوصفها في المنثور، وفي شعر نظم شُطور بيوته وقوافيه شعراء وأدباء ينحدرون من بيوتات شفشاون الأدبية والعلمية!

أحمد القاسمي

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً