شِفْشَاون النُّوَّارَة، بين النِّعَم والنِّقَم

قالوا ناس زمان زجل مغربي وبكلام موزون: (المْزَوَّقْ منْ برَّا آش خَبَارَكْ منْ دَاخِلٌ) وهذه ليست بمزايدة في حق سادس أجمل مدينة في العالم الشَّاون القِدِّيسَة بل هي حقيقة لا بد من الإقرار بها في ظل متابعتي لكل مستجداتها رغم بعدي عنها فهي مسقط رأسي ونشأتي ومشوار حياتي، وفي هذا الصدد يقول “ليون تروتسكي”: (إن الحقيقة دائما جارحة لكنها ضرورية كوسيلة للإصلاح، أما الكذب فيستخدم لإنقاذ ماء الوجه لكن ليس لتربية الأجيال).

يتميز إقليم شفشاون/الشَّاون بخصائص عدة غطاء غابوي كثيف، تساقطات مطرية غزيرة، زراعة القنب الهندي/الكيف وسياحة نشطة وهذه الخصائص تتفاعل فيما بينها لتنتج وضعين متناقضين، 1) فمن جهة وضع سلبي بالنسبة لأبناء الإقليم بحيث أن كل مواطن متهم حتى تثبت براءته، 2) ومن جهة وضع إيجابي بالنسبة للمسؤولين الذين يتقاطرون ويتسابقون على الإقليم من عسكريين ومدنيين فهذين الوضعين كان لهما انعكاس وتأثير كبير على الحالة العامة بالإقليم والمتمثلة في:

الوضع الاقتصادي والاجتماعي: إن هذا الوضع في إقليم شفشاون/الشَّاون يظل مفتوحا على كل الإحتمالات خاصة مع سياسة التهميش و الإقصاء التي لازال يعيشها الإقليم و لازال يؤدي ثمنها شباب المدينة في ظل ما كان يعرف بالمغرب النافع و غير النافع فالمشاريع التنموية الكبرى يتم اختيارها بشكل عشوائي بحيث لا يراعى فيها متطلبات الإقليم السوسيو اقتصادية و هذا ينعكس حتما على الحياة الاجتماعية فرغم بعض المشاريع التنموية الترقيعية التزويقية التي تظهر للوجود من حين لآخر تبقى الوضعية كارثية فحدث و لا حرج، إن أغلب الطبقات الاجتماعية تعيش وضعية لا تحسد عليها مع استثناء لبعض المستفيدين من الفساد فلا و جود بالإقليم لشيء اسمه المنافسة لسبب بسيط هو غياب مبدأ المراقبة لدى المسؤولين من سلطة و منتخبين بل أبعد من ذلك تواطؤهم مع لوبي محلي محتكر لكافة المجالات و متحكم في أرزاق العباد من الخضر، السمك، اللحوم، العقار … كما أن الصناعة التقليدية المحلية التي كانت المورد الأساسي لشريحة اجتماعية واسعة من جلابة، بلغة، شاشية، كرزية … تم غزوها بمتوجات غريبة عن طبيعة الإقليم الجبلية الذي يصنف ضمن المناطق السياحية.

الوضع الثقافي والرياضي: تاريخيا وقبل أن ينفجر بركان الحشيش(وليس الكيف) بالإقليم ويتم تدويله كانت المنطقة تعرف حركة ثقافية هادفة ومتواصلة من ملتقيات شعرية وندوات فكرية ومهرجانات موسيقية … مما فتح لأبنائه أبواب التواصل والوقوف على القضايا المطروحة للنقاش وطنيا ودوليا فقد كانت شفشاون/الشَّاون القِدِّيسَة بمفردها تُصَدِّر من مفكرين وشعراء وكتاب وحقوقيين وصحفيين … ما يَمْلَؤُنا زهوا وفخرا فكم من أبناء الإقليم تركوا و لازالوا بصماتهم في الساحة المحلية والوطنية كل من موقعه أما في الوقت الراهن أصبح البؤس الثقافي ظاهرة جماعية و أصبحت التفاهة الاعلامية هي السائدة في ظل العزوف عن كل ما هو هادف حتى في أوساط المثقفين وهته الوضعية لم تأتي اعتباطية بل كانت نتيجة لسياسة التهميش و القمع للدولة المغربية في المرحلة المعروفة بسنوات الجمر و الرصاص التي تعرض لها الإقليم لأسباب يعلمها الجميع، وهذا ينطبق كذلك على الوضع الرياضي بالإقليم الذي عرف تراجعا خطيرا في السنوات الأخيرة من جهة بسبب استغلال وضعيته سواء من طرف لوبي المخدرات أو الانتخابات كل حسب مصالحه و من جهة أخرى طمس للمرافق الرياضة التي كان يتوفر عليها الإقليم فرغم قلتها سيتم السطو عليها لتحويلها إلى مشاريع مربحة من طرف لوبي العقار صاحب الكلمة الأولى و الأخيرة مما نتج عنه سقوط فئة عريضة من شباب الإقليم في براثين المخدرات و الفكر الظلامي.

الوضع السياسي: إن هذا الوضع بإقليم شفشاون/الشَّاون لا يختلف في شيء عن باقي ربوع الوطن فالتمثيلية الحزبية من كل الأطياف من يمين ووسط ويسار لكن مجرد مقرات و لافتات لا غير والخطير في الأمر هي أن الأحزاب السياسية التي تتحمل مسؤولية التدبير بالإقليم لا حول ولا قوة لها في اتخاذ القرارات فالآمر الناهي والقابض بزمام الأمور هي السلطة الإقليمية أما المنتخبون فأغلبيتهم ومعارضتهم- إن وجدت – فلم يبلغوا سن الرشد بعد فليس عليهم من حرج و لا تجوز شرعا ولا قانونا محاسبتهم ما داموا تحت الوصاية وتكون دائما تلك مبرراتهم أثناء مساءلتهم عن الفشل في تدبير الشأن المحلي بالإقليم، فلقد تعودت ساكنة الإقليم على دخول المجالس المنتخبة في غيبوبة و كل مرت كانت تتدخل السلطات الإقليمية و المحلية لإنعاشها لكن يبدو اليوم أن الجميع سلطات و مجالس قد أصيبوا بنفس الحالة و بالتالي ترك المواطنين لمصيرهم مع مشاكلهم بعد أن خلقوا لهم أهدافا ثانوية لا علاقة لها بقضاياهم الأساسية كما خلقوا لشبابها انتصارات فردية وهمية بعد أن حولوهم إلى أمة من النمل تبحث عن قوتها اليومي لا غير حيث صار شباب القِدِّيسَة يعيشون مغلفون وسط الثَّالُوث المقدس الحشيش، الإنتحار، الهجرة.
هذه حقيقة ثابتة لا هروب منها في إقليم شفشاون/الشَّاون وإن كانت تنم عن نظرة تشاؤمية للواقع لكن مع وجود تفاؤل قوي للإصلاح لدى أبناء الإقليم الشيء الذي بدأ يتجلى من خلال نشر ثقافة التمسك بالحياة و طرح البدائل في شتى المجالات لوضع حد لحرب الاستنزاف المفروضة عل الإقليم من تهميش و نهب و احتكار و شطط في استعمال السلطة، و هذا هو التحدي الحقيقي المفروض مرحليا على كافة الطبقات الاجتماعية خاصة المجتمع المدني الذي عليه تحمل مسؤولية استرجاع للقِدِّيسَة مكانتها كقلعة من قلع التحدي وذلك بالتصدي لتزييف الحقائق عبر تشويه لتاريخها والتطبيل لسياحة بدون بوصلة تخدم مصالح فئة معينة و الكف عن التسابق على المقاعد والمناصب والألقاب المشكوك في مصداقيتها والاسترزاق بآلام ساكنتها وأخص بالذكر شبابها وهو موضوع مقالنا القادم عن تفشي ظاهرة الإنتحار بإقليم شفشاون/الشَّاون.

عبد الإله شفيشو / فاس

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً