“السيدة الحرة” حاكمة تطوان .. قصة الحرب ضد الإسبان والزواج من السلطان

لا تزال السيدة الحرة واحدة من أقوى النساء اللواتي حكمن في المغرب. حكمت السيدة الحرة تطوان وشمال غرب المغرب لأكثر من ثلاثين سنة، وواجهت محاولات احتلال متواصلة لمنطقة نفوذها من قبل البرتغال وإسبانيا. لم يقتصر الأمر على إجهاض الحرة للمهمة التوسعية لهذه القوى الأوروبية الناشئة، لكنها ألهمت الخوف والإحترام لتطوان والشمال الغربي للمغرب أيضا.

أثبت القرن الخامس عشر أنه فترة حرجة بالنسبة لسيادة المغرب، إذ هدد العثمانيون حدوده الشرقية من جهة الجزائر، بينما شن البرتغاليون والإسبان هجمات متكررة على طول سواحل المغرب الأطلسية والمتوسطية. غزا البرتغاليون والإسبان، على التوالي، سبتة سنة 1415 ومليلية سنة 1497. فمع فقدان المغرب لوحدته الترابية لصالح الغزاة الخارجيين، ساهم الخلاف الداخلي في مزيد من الانقسام الترابي. فشل آخر السلاطين المرينيين وخلفاؤهم الوطاسيون في المحافظة على سلطتهم على جميع سكان المغرب، حيث ظهرت مناطق الحكم الذاتي السياسي في أجزاء مختلفة من البلاد.

ينتمي علي بن راشد إلى مجموعة من أمراء النبلاء الأندلسيين الذين هاجروا إلى المغرب بعد سقوط غرناطة بحثا عن أراض للحكم؛ فبمجرد تأسيسه لشفشاون، أنجب ابن راشد وزوجته الإسبانية زهرة فرنانذيز ابنا ثم ابنة سميت الحرة. تشير مصادر عدة إلى أن “الحرة” تعني في الواقع “امرأة ذات سيادة” وأن اسم الحرة الفعلي كان إما عائشة أو فاطمة. ومع ذلك، فإن زواجها من السلطان أحمد الوطاسي يبين أن اسم المرأة كان في الواقع “الحرة”.

أتقنت السيدة الحرة العربية والإسبانية منذ سن مبكرة لأنها كانت نتاجا لزواج مختلط، كما درست تحت وصاية أفضل المعلمين في المغرب. ساهم تعليمها على الأرجح في فهمها المتطور للقضايا السياسية في عصرها. فزواج الحرة في سن الثامنة عشرة من سلطان تطوان، المنظري الثاني سنة 1510، قدمها إلى ممارسة السياسة في سن مبكرة. فنظرا لزواجها هذا، كان بإمكان الحرة أن تشارك في إدارة الشؤون العامة في تطوان وفي إدارة العمليات العسكرية ضد البرتغاليين والإسبان. تناقضت الديناميكية بين الزوجين مع الافتراضات حول الجندر. أدارت الحرة السياسة والحرب ضد الغزاة الأجانب بدرجة أقل رحمة وأكثر قسوة من السلطان. فقد ناشدها زوجها في مناسبات عدة تليين نهجها، بينما شجب دون أفونسو نورونها، حاكم سبتة، مرارا استعدادها للحرب، وقد أكسبها افتقارها للرحمة فيما بعد لقب “السيدة الحديدية للعالم العربي والإسلامي”.

بعد وفاة زوجها سنة 1518، تولت السيدة الحرة السلطة. وبرزت كحاكمة تطوان وشمال غرب المغرب بلا منازع. في الوقت نفسه، أصبحت الحرة رئيسة القرصنة التي تمارس في الشمال الغربي. بالنسبة لحاكمة تطوان، كانت ممارسة القرصنة تكتيكا حربيا متكاملا ضد البرتغاليين والإسبان.

أنشأت الحرة ميناء تطوان كقاعدة خلفية رئيسية في قوتها السياسية. وأثناء إنجازها لذلك، قامت ببناء وإصلاح القوارب، وشيدت أسطولًا. أمرت قادتها بالسفر بعيدا في أعالي البحار قدر الإمكان لمواجهة خطط الغزاة الأجانب، والاستيلاء على أساطيلهم، وجمع الكنوز والنهب والفدية – إذا ما كان هنالك أي أسرى.

سمحت القرصنة للحاكمة بهزم الخطط التوسعية للغزاة الأجانب وتحقيق مكاسب مالية مهمة. ونتيجة لذلك، ازدهرت تطوان وازدهر شمال غرب المغرب، مما أجبر البرتغاليين والإسبان على تكوين علاقات دبلوماسية مع الحاكمة للتفاوض من أجل إطلاق سراح رجالهم الذين تم احتجازهم كأسرى. وقعت الحاكمة العديد من الاتفاقات الثنائية مع السلطات البرتغالية والإسبانية، بمن في ذلك حاكم سبتة، دون أفونسو دي نورونها.

أقامت الحاكمة صداقات مع قراصنة آخرين، بمن في ذلك العثماني الشهير خير الدين، المعروف أيضا باسم بربروسا. ألهمت صداقتها مع خير الدين لقب “بربروسا التطوانية” الذي أطلقه البرتغاليون والإسبان على الحاكمة. أقامت الحاكمة صداقات مع أفراد العائلة الملكية والقراصنة، وفي سنة 1541 تزوجت من السلطان المغربي أحمد الوطاسي.

وقد تزوجا لأسباب سياسية، إذ أرادت الحاكمة دعم كفاحها ضد البرتغاليين. وبعد أن خسر السلطان أراضيه لصالح منافسيه السعديين، سعى إلى تعزيز سلطته في شمال غرب المغرب. فأقيم حفل زواج السلطان في تطوان بدلا من فاس لأول مرة في التاريخ المغربي. وبدلا من الإقامة مع زوجها، بقيت العروس في تطوان لممارسة سلطتها.

دبر مجموعة من الأشخاص المقربين من الحاكمة، بمن فيهم أخوها، مؤامرة ضد الملكة وخلعوها سنة 1542. بينما اعتبرها كثيرون ممثلة للحكومة المركزية، لم يقبل البعض الآخر إمكانية حكمهم من طرف امرأة. شعر العديد من القباطنة والقراصنة المسلحين والضباط العسكريين بالخلاف. فمن جهة، انخرطوا في معارك شرسة واشتبكوا مع أعدائهم في أعالي البحار، ومن جهة ثانية، أُجبروا على الارتجاف خوفا أمام سلطة هذه المرأة. فلجأت السيدة إلى شفشاون حيث توفيت سنة 1562. يقع ضريحها في الزاوية الريسونية في شفشاون.

مشاركة المقالة على :
اترك تعليقاً